عن الرسم في الأنيمي

عن الرسم في الأنيمي

بسم الله الرحمن الرحيم

الأنيمي وسط بصري بشكلٍ أساسي، هذا يعني أن الرسم هو العنصر الأهم في التجربة. وهذا يعني أيضاً أن فهم هذا العنصر أمرٌ مهم، فسوء فهمه يؤدي إلى عواقب، حسب رؤيتي أنا، فظيعة.ربما من يتابعني على تويتر قد رأى بعضاً من نقاشاتي مع من يسيء فهم هذا العنصر، وأنا، حتى أنتهي من تلك النقاشات وأبين جزءاً من الأنيمي يسيء الكثيرون فهمه، قررت كتابة هذه التدوينة.

الساكوغا

الساكوغا(Animation – 作画) هو مصطلح يطلق على الرسم عامةً، أي أن كل رسمٍ ساكوغا. لكن متابعو الأنيمي يستعملون هذا المصطلح لوصف الرسم ذو الجودة العالية، سواءً من ناحية الرسم بحد ذاته أم التحريك. الساكوغا يكثر في المشاهد القتالية نظراً لحاجتها إلى رسمٍ جيد، لكنها قد توجد في كل المشاهد بشكل عام كالمشاهد الدارمية لإضافة تأثير آخر على المشهد. من أمثلة الساكوغا الغير قتالية هذا المشهد من أنيمي Hibike! Euphonium.  

الرسم، التحريك والتمثيل، التباعد، والسرعة

هذه العناصر الأربعة هي أساسيات الرسم في الأنيمي. فالأنيمي رسومٍ متحركة، أي أنه ليس مجرد رسوم. الرسم ببساطة هو طريقة رسم عناصر المشهد، كرسم الشخصيات وتفاصيلها، لكن عملية تحريك الأنيمي تضيف أبعاداً أخرى إلى المشهد هي التحريك والتمثيل والسرعة والتباعد.

التحريك والتمثيل هما طريقة ترجمة الرسام للوحة القصة، أي طريقة تمثيل تعليماتها كأنيمي متحرك. فلوحة القصة رسومٌ ثابتة كالمانجا، لكن الأنيمي متحرك وعملية الرسام هي جعله يتحرك. بعض الرسامين قد يجعل من مشهدٍ بسيط كالمشي على الرصيف أو استدارة الوجه مشهداً مميزاً بالطريقة التي تقوم الشخصيات بتمثيله. أو قد يذهب بعض الرسامين إلى استعمال لغة الجسد وتعابير الوجه.

استعملت هذا المثال سابقاً وسأستعمله مجدداً، فهو مثالٌ واضح لأسلوب فريد في التحريك يعود للرسام Ebata (ويعجبني أسلوبه بالمناسبة). المشهد يحوي حركةً بسيطة كانت ستبدو مملةً على الأرجح لو قام برسمها رسامٌ غير إيباتا.

بما أن الأنيمي عدة رسومات متتابعة، التباعد ببساطة هو الفترة الزمنية أو المسافة التي قطعها الجسم بين كل رسمة والتي تليها. من أبسط أمثلة الفرق في التباعد حركة أجسامٍ مختلفة الوزن. الجسم الثقيل يُستعمل معه تباعد بسيط بين كل رسمتين لتبيين ثقله وبطئه، والعكس مع الخفيف. للرسام حرية التحكم بالتباعد.

الأنيمي سلسلة من الإطارات، وكل ثانية من الأنيمي تحوي 24 إطاراً. لكن هذا لا يعني أن كل ثانية تحوي إطاراً جداً، هذا غير ممكن (بسبب الميزانية والوقت) وغير ضروي. عادةً ما يتم تحريك الأنيمي المتلفز على ثلاثات (رسمة جديدة كل ثلاثة إطارات)، لكن أحياناً يتم تحريكه على ثنائيات (رسمة جديدةً كل إطارين) أو على أُحْدان (رسمة كل جديدة كل إطار). على الرغم من أن سرعة تحريك الأنيمي تعتمد بشكلٍ كبير على الميزانية والوقت، إلا أن كل سرعة مختلفةً تنتج تأثيراً فنيّاً مختلفاً أحياناً، وهذا ما قد يدفع الرسام لاستعمال سرعة تحريكٍ معينة لينتج تأثيراً مختلفاً. تذبذب سرعة التحريك بشكلٍ عام تستعمل بناءً على حاجة المشهد. مشاهد الحديث مثلاً لا تحتاج حركةً سلسلة (أتكلم بشكلٍ عام، بعض مشاهد الحديث تحتاج جهداً أكثر من غيرها مثل مشهد إيباتا في الأعلى)، فيتم تحريكها على ثلاثات. ويجب التنويه إلى أن سلاسةً أكثر لا تعني بالضرورة مشهداً أجمل. أما مشاهد القتال تحتاج بعضاً من السلاسة، فيتم تحريكها على أُحْدان أو ثنائيات. قد يأتي مشهد قتالي بعد مشهد حوار مباشرة فتجد تذبذباً في سرعة التحريك. مثالٌ على سرعة تحريك متذبذبة في الدقيقة 2:20 من هذا الفيديو للرسام ياسو أوتسوكا – Yasou Otsuka.

إن لم تفهم الفكرة جيداً يمكنك مشاهدة هذا الفيديو. يحوي ترجمةً عربية.

أساليب الرسم

اختلاف أساليب الرسامين لا مفر منه، لا يمكن لاثنين أن يرسما بالطريقة نفسها تماماً.  والرسامون في الحلقة الواحدة من الأنيمي كثر، وبالطبع كل رسامٍ يرسم بأسلوبه الخاص المختلف عن الرسامين الآخرين. كما يجب التذكير بأن الرسام في الأنيمي له مهمةٌ أخرى وهي التحريك، وهذا يضيف “بعداً” آخر لأسلوب الرسام: أسلوبه في التحريك. لهذا التنوع الفني في الأنيمي واقع يواجهه الاستديو أو الجهة المنتجة إمّا بالتقبل أو المحاربة، كُلّاً بدرجةٍ متفاوتة. ولهذا السبب أيضاً  تمّ، منذ أول رسوم متحركة يابانية يمكن أن نطلق عليها أنيمي عام 1963 (Tetswam Atom)، وضع مشرف رسوم مهمته التحكم بهذا التفاوت وجعل الأنيمي ذا أسلوبٍ فني متسق، وتم استعمال هذا النظام في كل أنيمي تقريباً منذ ذلك الحين. لكن هذا العمل مجهد ومتعب لفردٍ واحد، لهذا لا بد من “تسرب” أسلوب أحد الرسامين، في التحريك إن لم يكن في الرسم نفسه. تميّز أساليب الرسامين ليس بالأمر المرغوب غالباً، صناعات الرسوم المتحركة خارج اليابان تفتخر بعدم وجود هذا التفاوت البشري لديها لأنه يعتبر عيباً. لكن في اليابان، هذا التفاوت كثيراً ما يظهر كإبداع. التنوع الفني هذا قد يزيد متعة المشاهدة أو يفسدها، على الرغم من أنه يعتمد على المتابع أحياناً.  

يمكن رؤية الوقت الوفير الذي كان متوفراً أثناء إنتاج أنيمي مثل Jin-Roh من خلال الرسم والتحريك المصقولين لدرجة كبيرة بحيث يصعب على المرء تمييز الرسام بسهولة. على النقيض منه يوجد فيلم Dead Leaves. لن أقول أن هذا الفيلم كان يعاني من سوء تخطيط وضيق وقت، لكنه سمح بالتميز الفنّي بل واستغلّه ليجعل منه ميزة في الفيلم.

هذا النهج في السماح بالتميّز الفنّي، دون إخضاعه للصقل و”الترويض”، هو، إلى حدٍّ ما، ما جعل صناعة الأنيمي تملك كل هذه الأساليب في الرسم والتحريك المتميّزة. عددٌ من الرسامين الذين أتيحت لهم الفرصة خارج نظام “الأسلوب الموّحد”، كــيوشينوري كانادا – Yoshinori Kanada وماساكي يواسا – Masaaki Yuasa، استطاعوا تكوين أسلوبٍ خاصٍّ لهم وحظوا بجمهورٍ من المتابعين والمعجبين لأسلوبهم، بل وتبعهم رسامون آخرون وتبنّوا أسلوبهم وأضافوا عليه حتى. كانادا أواخر السبعينات بالأخص كان له تأثيرٌ كبير على الوضع الحالي للصناعة، فهو من أوائل الرسامين الذين كوّنوا أسلوبهم الخاص وحظوا بالمعجبين، بل من أول العاملين في الصناعة الذين حظوا بالتقدير من الجمهور الياباني ممّن ليسوا مخرجين.

فترة السبعينات وحتى أوائل الثمانينات لها تأثير كبير في ما وصلنا إليه اليوم، فقد شهدت بعضاً من “الحيوية” بين المعجبين والجانب الإنتاجي من الأنيمي وبدأ المعجبون يهتمون ويتعلمون أكثر عن الجانب الإنتاجي من الأنيمي، وبدؤوا يقدرون العاملين أكثر، وكانادا  أحد الأمثلة الممتازة على هذا. كانادا مهّد الطريق لمن جاء بعده من الرسامين المميزين.

الأمثلة الأخرى كـيواسا وهيرويوكي إيمايشي – Hiroyuki Imaishi كانوا على رأس عديدٍ من أبرز الأنيميات في السنين الأخيرة، هذا لأن الفرصة أتيحت لهم حتى يطوّروا موهبتهم. لاحقاً أعمال هؤلاء الرسامين ستجذب المواهب الشابة من الجيل الجديد، وهو ما يتيح فرصةً للجيل الجديد في إبراز موهبته وتطويرها والتعلم من الجيل السابق، وهو أيضاً ما يعود بالنفع على الأنيمي الذي يتم العمل عليه. وهكذا تستمر حلقة التطور والتعلم جيلاً بعد جيل.

أحياناً يحصل فهم خاطئ لأسلوب رسامٍ ما على أنه أسلوب للاستديو، كما حصل في Eyecatch أنيمي Gurren Lagann. كل Eyecatch في هذا الأنيمي كانت من رسم هيرويوكي إيمايشي، وأسلوب هذا الرسام مشابه كثيراً لأسلوب كانادا لكن يختلف عنه قليلاً. لذا هو ليس أسلوب رسمٍ خاص باستديو Gainax، بل هو خاص بالرسام إيمايشي. قد لا يكون هو من رسمها كلها، لكن الأكيد أنها تتبع الأسلوب ذاته في الرسم.

التمييز بين الرسامين

يمكن حصر النقاط التي يتميز أي رسامٍ عن غيره في العناصر الأساسية للرسم والمذكورة سلفاً: الرسم، التحريك والتمثيل، التباعد، والسرعة. حتى لو كان الرسامون يتبعون تصاميم الشخصيات، لا بد من مشرف رسوم يصحح الاختلافات في رسمها. لكن يوجد رسامون يفضلون الرسم بطريقتهم، يفضلون الخروج عن الطريقة التقليدية في رسم الأشياء. من أبرز الأمثلة : شينيا أوهيرا – Shinya Ohira. كما أن بعض الرسامين يفضل تباعداً/سرعة تحريك طبيعية والآخر يفضل تباعداً/سرعة تحريك غير طبيعية. أوهيرا المذكور سابقاً يستعمل تباعداً/سرعة تحريك ثابتة، أما يوشيناري كانادا يستعمل تباعداً/سرعة تحريك غير منتظمة. وكل رسام سيترجم لوحة القصة بطريقته الخاصة حسب مهارته، رغبته، ومخيلته. قد يتم تصحيح الرسومات ومحو أثر الرسام على أية حال. من الجدير بالذكر أنه حتى لو اختار رسّامان سرعة التحريك ذاتها، قد يبدو مشهد أحدهما أفضل بكثير وذلك لكون التباعد في مشهده ممتازاً.

بعض المعجبين أو “الساكوغاويين” إن صح التعبير، يتتبعون أساليب رسامين معينين ويستطيعون معرفة من رسم المشهد بمجرد مشاهدته. معرفة الرسام تتفاوت صعوبتها من رسامٍ لآخر، فـرسام مثل Ebata أسلوبه بارز ويمكن لمتابع عادي مثلي معرفته، أما رسامون آخرون قد تصعب معرفتهم. بشكل عام، معرفة الرسام مهارة تحتاج إلى خبرة. والرسام لا يعرف إلا بطريقتين: الإعلان الرسمي وهو أمرٌ لا يحصل كثيراً (لا أقصد الأسماء آخر الحلقة فهي لا تعلمك أي رسامٍ رسم أي مشهد وقد لا تذكر جميع الرسامين) أو من الساكوغاويين الذين عرفوا أسلوب الرسام. من الجدير بالذكر أيضاً وجود رسامين مختصين بنوع معين من المشاهد، كالمشاهد القتالية.

العديد من الرسامين اليابانيين البارعين قادرون على تكييف أسلوبهم مع المحافظة على الجودة العالية. وعلى الرغم من هذا، ما يزال بالإمكان تمييز عملهم بالفروقات الجوهرية في حركة الشخصيات أو العوامل الأخرى. ومن العوامل الأخرى التي تلعب دوراً في تمييز الرسامين هي المؤثرات (الإنفجارات، الدخان، الماء…) أو الأجزاء البسيطة لحركة الشخصية كتجاعيد الملابس أو حركة الشعر. بالعودة للمثال السابق لأسلوب رسم Ebata فيمكنك ملاحظة تجاعيد غير طبيعية في ملابس الشخصية.

الرسامون يرون عملهم على أنه متعة، ويستمتعون برسم مشاهد ممتعة وملفتة للنظر أكثر من رسم المشاهد العادية المملة. لذا يمكن التفريق بينهم بالنقاط الثلاثة المذكورة، والجمع بينها بطرق مختلفة هو ما يميّز كل رسامٍ عن الآخر.  

الفرق بين الساكوغا والرسم السيء

اختلاف الأساليب يقود إلى كون كل أسلوب يتميز بصفات معينة، وهذا يؤدي إلى كون الأساليب المختلفة تضفي آثار مختلفةً على المشهد. بعض الرسامين أسلوبهم يجعل المشهد ذا حركةٍ غريبة وغير واقعية. اختيار الرسامين يعود للمخرج، المخرج هو من يختار الأسلوب الذي سيظهر به المشهد باختياره للرسام الذي يتمتع بهذا الأسلوب. طبعاً، هذا القرار حاله حال القرارات الفنية الأخرى في العمل، قد يصيب وقد يخطئ فيه المخرج. هذا مثال على أسلوب يمكن وصفه بكلمة “التشويهي”:  

هذا المثال من حلقة 167 من أنيمي Naruto Shippuden. هذا ساكوغا بلا شك، بالأسلوب التشويهي الذي من سماته الأساسية تمدد الشخصيات وغالباً يصاحبه عددٌ كبير للإطارات، مما يعني أنها مشاهد تصنف ضمن الأفضل إنتاجياً. بالحديث أكثر عن هذا المثال من ناروتو، فهو من رسم شينغو ياماشيتا – Shingo Yamashita وقد تولّى أمر السبع دقائق الأولى في هذه الحلقة. هذه الدقائق السبع لم تكن كلها بهذا الأسلوب بل تنوعت بين ثلاث أساليب، أسلوب التشويه أبرزها. هذه الدقائق السبع احتوت على 5,500 إطار مفتاحي وبيني، أي ما يعادل تقريباً ثمانية أضعاف الإطارات في الحلقة الأولى من Evangelion بأكملها. هذا العدد الضخم من الإطارات احتاج شهرين حتى يتم رسمه.  

دعونا نتكلم عن مثال “ساكوغاوي” آخر، وأؤكد، أنه كان من أبرز الأنيميات في الآونة الأخيرة. أتكلم عن Ping Pong The Animation. إن كنت لا تعرفه، انظر إلى هذه الصورة.  

هذه صور من الأنيمي. مريع، صحيح؟ في الواقع أوافقك الرأي، لم أستطع إكمال نصف الأنيمي وهناك ما هو أشد من هذه الصور. لكن بعيداً عن هذا، بينغ بونغ هو الأنيمي الحاصل على جائزة طوكيو للأنيمي – Tokyo Anime Award كأفضل أنيمي لعام 2014. عمل عليه ماساكي يواسا في الإخراج ورسم لوحة القصة، ويونيونغ تشوي – EunYoung Choi كمخرجة حلقات ورسامة، باهي – Bahi كرسّام، شينيا أوهيرا كرسّامٍ أيضاً، وإيمريك كيفن – Aymeric Kevin كمخرج خلفيات وغيرهم الكثير. قد لا تعرف معظمهم لكن أنا سأصفهم لك: هذا طاقم عمل مرعب! كإخارج أو رسم وتحريك أو خلفيات وجائزة أفضل أنيمي للعام تؤكد مدى الإبداع في هذا الأنيمي.  

لا أقصد أن الأنيمي كان قوياً من الناحية الإنتاجية، الأنيمي عانى من ضيق في الوقت وكان إنتاجه عاديا بل أقل من عادي في بعض المشاهد لكن هذا لا علاقة له بأسلوب الرسم في الأنيمي طبعاً. أكثر ما ميّز العمل كان إخراجه، افتتاحية العمل كانت ذات إنتاجٍ قوي على أية حال وهي بأسلوب رسم الأنيمي ذاته.  

ما أحاول إيصاله هو: هناك فرق بين أسلوب الرسم الذي لا يعجبك وبين الرسم السيئ. أساليب الرسم كثيرة ومتنوعة، وهي أذواق. أسلوب الرسم في بينغ بونغ له معجبوه، أسلوب رسم شينيا أوهيرا الغريب له معجبوه أيضاً. أنا أكره أسلوب أوهيرا والأسلوب المستعمل في بينغ بونغ لكن هذا لا يسمح لي بالسخرية منهم أو وصف من رسمهم بالرسامين الفاشلين لأنني هكذا (بغض النظر عن عدم احترامي لمعجبي هذين الأسلوبين) أكون مخطئاًَ.

الرسم السيئ وأسبابه

لماذا يكون الرسم سيئاً؟ أحياناً يكون الرسم فظيعاً والأكيد أن الرسامين المحترفين المعيّنين من قبل استديوهات الأنيمي يمكنهم تقديم أفضل من هذا بكثير، لذا لمَ نرى الرسم هكذا؟ هل الرسام مستهتر أو “ما يشتغل بضمير”؟ حتى نفهم هذا علينا أولاً فهم الوضع الحالي لصناعة الأنيمي.

الشخص المسؤول عن التخطيط للجدول (عادةً مساعد الإنتاج) يحاول إبقاء الجدول أقصر ما يمكن للتقليل من التكاليف لأن ميزانية الأنيمي محدودة. معظم قسم الرسوم المتحركة (الرسامون، مخرجو الحلقات…) يعملون بلا عقود (Freelancers) أي أنهم لا يتبعون لاستديو معين.

حتى يكسب الرسام ما يكفيه للعيش بأجره المنخفض عليه العمل بسرعة، ولن يكفيه العمل لاستديو واحد، لهذا معظم الرسّامين الحرّين يعملون لعدة استديوهات في الآن ذاته. جميع من في الصناعة مشغولٌ جدّاً. بالأخص الخبراء الماهرون، وحتى متوسّطو المستوى. من الشائع أن لا يعمل الرسام على الأنيمي خاصتك حتى آخر لحظة لأن لديه أعمالاً أخرى كثيرة عليه تسليمها قبل عملك.

وصناعة الأنيمي الآن تنتج أنيميات كثيرة، أكثر من أي وقتٍ مضى، وعلى رتمٍ سريع. لا يوجد ما يكفي من الرسامين ذوي الخبرة للعمل على كل هذا العدد أو لتعليم كل الرسامين المبتدئين. هذا لا يدع خياراً آخر للاستديو سوى الاعتماد على رسامين سيّئي المستوى، أحياناً هواة يمارسون هذا كهواية. تلجأ استديوهات الأنيمي أحياناً إلى تصدير العمل إلى خارج الاستديو إلى استديو ياباني آخر أو حتى إلى خارج اليابان إلى الدول المجاورة كالفيليبين. ليس فقط لتقليل تكاليف الإنتاج، بل لتسليم الحلقة على موعدها.

في ظل هذا الوضع، ليس غريباً عندما يتم وصف تسليم الحلقة على موعدها بـ”المعجزة”. أحياناً لا يبدأ العمل على الرسم سوى قبل أسبوعين ولا ينتهي العمل على الحلقة قبل بضع ساعات من العرض. في النهاية، استديو الأنيمي أولوّيته القصوى تسليم الحلقة بغض النظر عن جودتها.

الرسامون أو كل من يعمل في قسم الرسم قد يقعون ضحيةً هنا. قسم الإنتاج (مساعدو الإنتاج، المنتج…) هم المسؤولون عن التخطيط، وتخطيطهم هو ما يحدد الوقت المتاح للطاقم بأكمله. لا يمكن للرسام البدء برسم المفتاحيّات ما لم تكن المخطّطات قد انتهت، ولو تأخرت المخططّات لأي سببٍ كان فهذا يضيق وقت العمل على الرسام. في النهاية قد يحصل الرسام على وقتٍ قصير لإنجاز عمله، وهو الآخر أولوّيته هي إنجاز العمل بغض النظر عن الجودة (هو يحصل على المال مقابل العمل لا الجودة). لهذا حتى أفضل من يعمل في الصناعة سينجزون عملاً مريعاً وهذا طبيعي نظراً لضيق الوقت. التساهل في العمل أو العمل “بدون ضمير” خيارٌ غير متاح للرسام أصلاً، إن لم يقبل عمله من قبل مشرف الرسوم فسوف يردّ إليه بطلب إعادة الرسم أو حتى قد يبحثون عن غيره.

أقرب وأفضل مثال للرسم السيئ هو رسم بعض المشاهد في الحلقة الخامسة من أنيمي Dragon Ball Super.

رسم هذه الحلقة مريع بالتأكيد، لكن قبل أن نبدأ بانتقاد الرسام أو طاقم الرسم تعالوا نرى من هو ذلك الطاقم. مشرف الرسوم هو الشخص المسؤول عن الرسوم وحتى لو كان الرسام سيئاً يفترض أن لا يقبل رسمه أو يصححه على الأقل، لذا هو المسؤول الأول. مشرف رسوم الحلقة كان ناوكي تاتي – Naoki Tate، وهو باختصار من أفضل الرسامين في سلسلة دراغون بول.

ناوكي بالتأكيد رسامٌ ممتاز، إذاً ما الذي حصل هنا؟ هذا بالتأكيد بسبب سوء التخطيط وضيق الوقت. حتى الرسام الذي رسم المشهد (لا أعرف من هو) يستحيل أن يكون هذا أفضل ما لديه. الرسام يعرف أن هذا الرسم سيئ، مشرف الرسوم يعرف أن هذا الرسم السيئ، لكن لم يكن هناك خيارٌ آخر سوى القبول به لأن لا وقت لرسم شيءٍ أفضل.  

أنا لا أحاول صنع أعذارٍ للرسام أو مشرف الرسوم، أنا فقط أبيّن لكم ما الذي حصل فعلاً. والآن قبل أن تبدؤو بانتقاد الرسام أو ما هو أشد من انتقاده، اعلموا أنه قد لا يكون المخطئ.

الرسم هو “الفم” الذي يتواصل به الأنيمي، لهذا يمكن القول أيضاً أن الرسم الجيد هو ما يوصل الفكرة المقصودة من المشهد، بينما المشهد سيئ الرسم يشتت المشاهد ويضيع الفكرة المقصودة. في هذا المشهد من أنيمي Naruto Shippuden يتشتت المشاهد تماماً وتضيع أي فكرة كان يمكن إيصالها، كما أن المشهد احتوى تكراراً فظيعاً للحركات. لهذا وضع، أياً كان من رفع الفيديو، هذه الموسيقى مع العلم أنه لم يغير شيئاً في المشهد سوى هذا.

 ولا تفكر، أبداً، في إيقاف المشهد والتقاط إطار وسط الحركة وتقول أنه مرسومٍ بطريقة سيئة. كثيراً ما يتم رسم إطارات وسط الحركة بطريقة غير طبيعية لجعل المشهد مميزاً. ربما لزيادة السلاسة في التحريك أو لإضافة تأثير معين. لهذا الإطارات التي تراها وسط الحركة عند إيقاف المشهد ليست معياراً أبداً، عليك النظر إلى الصورة الكاملة وهي المشهد بالكامل حتى تحكم عليه.

بالطبع، أنا لا أكتب هذه التدوينة حتى أقول أن المتابع ملزمٌ بتتبع الرسامين والتمعن في التحريك والرسم لمعرفة الرسام أو ما شابه. أنا نفسي لا أفعل هذا ولا أهتم للرسامين كثيراً. هدف هذه التدوينة هو تحقيق الفهم الصحيح للرسم والتحريك وأساليبهما في الأنيمي. وكما تتبع مخرجين معينين يعجبك أسلوبهم، ليس سيئاً لو اتبعت رساماً معيناً أعجبت بأسلوبه. أحياناً نرى مشهداً يلفت النظر من ناحية الأسلوب المستعمل في رسمه، ألن يكون رائعاً لو بحثت عن الشخص الذي رسمه بهذه الطريقة الجميلة؟ سأضع روابط لمواقع ومدونات ستفيد أي شخصٍ مهتمٍ في هذا.

في النهاية طلبي ممّن قرأ التدوينة هو تنبيه كل شخص يصف الرسم الجيد أو الرسام الممتاز بأنه سيئ على غلطه.


مواقع للمهتمين:

  • SakugaBuuro – العديد من مشاهد الأنيمي ذات الرسم الممتاز في حال أردت البحث عن مشاهدٍ لرسامٍ أعجبك أو عن رسام مشهدٍ أعجبك في أحد الأنيميات.
  • Omaar97 – مقالات تعريفيّة بأفضل الرسامين اليابانيّين (عربي).
  • Camonte – مقالات تعريفيّة بأفضل الرسامين اليابانيّين (إنجليزي).
  • Animator’s Corner – للبحث عن أعمال الرسامين أو معلومات عن رسامي المشاهد حسب الأنيميات أو الأفلام (إنجليزي – ما زال جديداً وأظن أنه يفتقر للكثير).
  • ويكي الرسامين الياباني – الويكي الشامل للرسامين باللغة اليابانية. يمكنك استعمال تدوينتي حول مصطلحات الإنتاج لتوافرها على النظير الياباني لأي مصطلح، ويمكنك الحصول على الاسم من مواقع كثيرة مثل MAL وبالطبع ترجمة غوغل ستفيدك كثيراً.