الأنيميشن العربي… وإمارة

الأنيميشن العربي… وإمارة

بسم الله الرحمن الرحيم

في البداية، ما سأكتبه يميل نوعاً ما إلى الآراء الشخصية، لكن سأحاول تدعيمه بالحقائق وجعله مبنياً على الواقع قدر الإمكان. هذا الموضوع كنت أود الحديث عنه منذ فترة، وبعد الحديث المتزايد مؤخراً عن إمارة زادت رغبي في الكتابة عنه. سأحاول إعطاء خلفية بسيطة عن تاريخ صناعة الرسوم المتحركة في الوطن العربي أولاً بشكلٍ مختصر، قد لا أكون أفضل من يتحدث عن هذا الموضوع لكن سأحاول تغطيته بأفضل ما يمكن، ثم أتكلم عن الأعمال الحديثة ورأيي بها. أتمنى تقبل أي انتقاد في هذه التدوينة بصدر رحب وعدم أخذ الأمور بطريقة شخصية أو ما شابه.

المحاولات الأولى في الصناعة العربية

أول ما يمكن أن يطلق عليه المرء رسوماً متحركةً عربية يعود تاريخه إلى عام 1936، من تأليف وفكرة مصرييتين ورسم وإنتاج عائلة مهاجرة روسية كانت تعيش في مصر آنذاك، بعد أن القيام بتأسيس “استديو القاهرة للرسوم المتحركة”، وكان اسم العمل “مشمش أفندي”. لم أتوقع وجود عمل رسوم متحركة من إنتاج عربي بهذا القدم، وعلى الرغم من بساطته وقدمه إلا أن إنتاجه وما قدّمه ليسا سيئين أبداً مقارنةً بأعمال تلك الفترة، ولاقى العمل وبطله مشمش أفندي رواجاً، فاستمر إنتاجه حتى سنة 1950. يمكنك مشاهدة حلقة من حلقاته هنا.

بعد هذا دامت فترة طويلة من الانقطاع فيها بعض من المحاولات الخجولة والمحاولات الفردية، حتى أتت أوائل التسعينات حين تم تأسيس استديو آلاء للإنتاج الفني في جدة من قبل أسامة خليفة. قام استديو آلاء بإنتاج العديد من الأعمال المميزة، بدءاً بفيلم “محمد الفاتح” عام 1995 الذي لاقى رواجاً في العالم العربي. استديو آلاء، على الرغم من تواضع جودة إنتاجاته، إلا أنه كان لديه فريق جيد من الرسامين والملونين، بفريق تلوين يحوي حول 45 شخص.

أنتج استديو آلاء 15 فيلماً وبعض المسلسلات الأخرى، استعمل في معظمها أساليب الرسم والتلوين اليدوية التقليدية، لكن، حسب كلام المؤسس أسامة خليفة، فالاستديو لديه فريق رسوم 3D قوي وسيتم إطلاق أعمالهم في الوقت المناسب. ما زال استديو آلاء موجوداً ويعملون على إنتاج فيلم جديد باسم “حلم الزيتون”، كما تم إنشاء امتداد للاستديو في تركيا باسم Oktoons، وتم إنشاء مركز لتعليم الرسوم المتحركة في جدة أيضاً من قبل الاستديو. يمكنك رؤية بعضٍ من فيلم “حلم الزيتون” هنا.

هناك أيضاً استديو النجم للإنتاج الفني الذي تم تأسيسه في عام 1997 على يد تحسين المزيك في سوريا. قام الاستديو بإنتاج فيلم “الجرة: حكاية من الشرق” عام 2001، وحصل الفيلم على بعض الجوائز العالمية وحقق نجاحاً محلياً. لست متأكداً من الوضع الحالي لهذا الاستديو لكن لا أظن أنهم ما زالوا نشطين. هذه الأعمال عموما لا تضاهي الإنتاجات العالمية في الغرب أو من اليابان من ناحية الجودة، لكنها كانت إنتاجات عربية بأيدٍ عربية وبمضمون عربي، وهو ما يميزها ويجعل لها قاعدة تتطور عليها وتتحسن في المستقبل. للأسف معظم الإنتاجات العربية إنتاجات بسيطة وأعمال قصيرة، أو إنتاجات طويلة كبيرة مثل التي تكلمت عنها لكن لا تستمر أو تتطور.

الإنتاجات العربية الحديثة ورأيي بها

حتى الآن، كل ما ذكرته في هذه التدوينة عبارة عن أعمال موجهة للأطفال أو فئة عمرية صغيرة، لكن مؤخراً بدأت تظهر أعمال عربية موجهة للفئات الأكبر أو الفئات العمرية كافة. هذه الأعمال، على قلتها، إلا أنها تمتعت بمستوىً إنتاجيٍّ عالٍ بعض الشيء وبعضها بميزانيات ضحمة. فيلم بلال أبرزها ربما، بميزانية 30 مليون دولار وإنتاج مذهل (لم أشاهد سوى مقتطفات من الفيلم)، وتوركايزر (مع أننا لم نرَ سوى بضع فيديوهات قصيرة لكن كانت جيدة)، والأحدث إمارة، وربما هناك غير هذه الثلاثة مما لم أحط به.

مع أنني معجب بهذه الأعمال لكن أرى فيها عيباً كبيراً يجعلني لا أتفاءل بمستقبل الصناعة العربية، وهو الهوية. الأعمال التي ذكرتها مجردة من الهوية العربية، يصعب التفريق بين توركايزر وأي أنيمي ياباني آخر، لا من ناحية القصة أو مظهر العمل أو حتى الأداء الصوتي الذي كان كثيرٌ منه يابانياً! “أول أنيمي في الشرق الأوسط” هو ما يصف به استديو Ego Punch (الاستديو المنتج لتوركايزر) العمل، لهذا لا أرى في توركايزر سوى أنيمي عادي مغلف بغلاف عربي.

وتعقيباً على نقطة قد يطرحها البعض، بخصوص استعمال كلمة “أنيمي” وما تعنيه بالضبط، فأنا أرى أن الكلمة تصف أعمال الأنيميشن المصنوعة من قبل اليابانيين وبالتالي طابعها وهويتها يابانيّيان. أنا أريد التشديد على موضوع الهوية هنا، كيف تصف عملاً بأنه عربي وهو محاكاة ونسخ طبق الأصل لأفكار وأعمال ليست عربية؟ أعيب على فيلم مثل بلال، فيلم يتمحور حول شخصية من أهم الشخصيات في التاريخ الإسلامي ويقع في فترة مهمة من التاريخ الإسلامي، أعيب عليه ضعف هذا الجانب فيه، كيف لفيلم عن مؤذن الرسول أن لا يحوي ولو تكيبرة واحدة؟ يمكن لأي شخص عربي يملك قدراً وافراً من المال أن يدفع لاستديو إنتاج أجنبي لينتج له ما يشاء، لكن هل يعتبر هذا العمل عربياً؟

هذا من ناحية الهوية، أما لو تكلمنا عن هذا الموضوع من ناحية تقنية أو إنتاجية، فكثيرٌ (أو ربما أغلبهم) من الأشخاص العاملين على الأعمال التي ذكرتها ليسوا عرباً. لن تستمر الصناعة العربية وتنمو ما لم الصناع أنفسهم عرباً، وأكرر المثال الذي ذكرته في الفقرة السابقة. أنا معجب جداً بالجانب الإنتاجي والتحريك خاصةً في إمارة، لكن كل رسامي التحريك ليسوا عرباً! ولو نظرنا إلى الافتتاحية، فـلوحة القصة لافتتاحية إمارة نسخةٌ للوحة قصة افتتاحية أنيمي Cutey Honey. يجب أن أنوه إلى وجود بعض “مساعدي الرسامين” العرب في إمارة، لا أعلم دورهم بالضبط لكن الرسامون الأساسيون كلهم أجانب وهم من يقوم بالأمور المهمة على ما أظن.

أتفهم القيام بالإشارة(Reference) إلى أعمال معجبٌ بها أفراد طاقم العمل، لكن ما قامو به في الافتتاحية تعدى هذه المرحلة ووصل إلى درجة النسخ برأيي، وعلى كل حال إن كان أول شيءٍ نراه من العمل هو افتتاحية مليئة بـ”ـالإشارات” فهذا ليس مؤشراً جيداً. تصاميم الشخصيات من الناحية الأخرى هي تصاميم شبيهة في المظهر للتصاميم اليابانية وتتبع القوانين الأمريكية في التصميم، بأن يكون شكل الشخصية مكوناً من أشكال بسيطة(غالباً دوائر) لتسهيل التحريك، ويبدو أيضاً أن العمل يتبع بعضاً من قوانين الرسوم المتحركة الأمريكية مثل ال”Squash & Stretch” وهو أمرٌ ليس مستغرباً كون معظم العاملين على إمارة، أو معظم أفراد استديو Eating Stars، من خريجي مدرسة Cartoon Network في الإمارات. ومن ناحية التحريك فهو يميل للتحريك الياباني ولو أني لست خبيراً في الأنيميشن اليدوي الأمريكي. العمل بشكل عام خليط بين مبادئ أمريكية وأسلوب وطابع ياباني.

نعم التقليد والنسخ أمران لا بأس بهما وضروريّان في البداية، لن تستطيع أن تأتي بشيءٍ جديد تماماً منذ البداية خاصة في مجال قديم ومتطور مثل صناعة الرسوم المتحركة، لهذا لا أعيب على إمارة أن يكون أسلوب التحريك مشابهاً للتحريك الياباني(رسامو التحريك أجانب كلهم لذا لا طائل من الحديث عن هذه النقطة على أية حال). لكن يمكننا رؤية كيف بدأت صناعة الرسوم المتحركة اليابانية(ما أقصده هنا هو بدايتها على نطاق واسع وبشكل “احترافي”، يمكنك العثور على العديد من الرسوم المتحركة اليابانية القديمة التي تعود إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية لكنني لا أتكلم عنها). أبرز استديوهات الرسوم المتحركة اليابانية في فترة الخمسينات كان توي دوغا – Toei Douga، الذي كان الهدف من إنشائه هو تكوين ما يشبه “ديزني الشرق”، وأعماله كانت مبنية على كثيرٍ من المبادئ الأمريكية في الرسم والتحريك، لكنها كانت أولاً وأخيراً أعمالاً بطابع وأفكار يابانية وبأيدٍ يابانية. استمرت الأعمال اليابانية بصيغة مشابهة للأعمال الأمريكية لكنها تصبح أكثر تميزاً شيئاً فشيئاً، وجاء تيزوكا الذي قام بثورة الأنيمي المتلفز بأعماله المشابهة كثيراً للتصاميم الغربية من ناحية التصاميم، لكن بتمرد شبه كامل على قواعد التحريك الغربية، الأمر الذي ما زال مستمراً حتى اليوم. عندما بدأ توي بإنتاج أفلامه لم يصنع فيلماً عن ميكي ماوس أو بيتي بوب – Betty Boop أو حاول نسخهما، مع العلم أن أعمال تلك الفترة كان لها تأثير كبير على الصناعة اليابانية، بل كانت أعمال توي الأولى عن الكابّا(مخلوق من الفلكلور الياباني) والباندا وغيرهم، وتيزوكا كان كذلك أيضاً.

ما ذكرته لا يعني أني لست معجباً بإمارة، بل أنتظره وأتوق لمشاهدته. ولا أعني أن العمل بمجمله سيئ، أنا معجب بالشخص الذي رسم لوحة قصة الافتتاحية، أحمد بيروتي، لأسلوبه في الرسم وخاصةً لعمله كمشرف أو مخرج خلفيات في إمارة، خلفيات إمارة جميلة فعلاً. وأتوقع أن يكون العمل بجودة عالية، يبدو مما رأيته من كلام المخرجة، فاطمة المهيري، أنهم يولون الجودة اهتماماً بالغاً، لدرجة إلغاء ثلاث حلقات من العمل بسبب ضيق الوقت(بدلاً من إنهائها بجودة متدنية)، ولتعاونهم مع استديو Sun Creature الدنماركي للقيام برسم (Animation) آخر حلقتين.

لا أقلل من جودة أيٍّ من الأعمال التي ذكرتها، لكن ما لم يكن العاملون أنفسهم عرباً، خاصة في المراكز التي تحتاج مهارةً وخبرة مثل الرسامين، فأنا لا أرى داعياً للتفاؤل بمستقبل تكون فيه الصناعة العربية للرسوم المتحركة صناعةً عالمية تضاهي تلك التي في اليابان أو أمريكا. أعمالٌ مثل الجرة أو حلم الزيتون تدفعني للتفاؤل أكثر، على الرغم من بساطتها وتواضعها مقارنةً بـبلال وغيره، فهي تمثل بذرة عربية قابلة للنمو والتطور في المستقبل.


بعض الروابط المفيدة:

  • مقابلة مع مخرجة إمارة – هنا.
  • قائمة بالعاملين على إمارة – هنا.
  • حساب إمارة على تويتر – هنا.
  • الاستديو المنتج لبلال – هنا.
  • الاستديو المنتج لتوركايزر – هنا.

من أنا؟

Alex

مهتم بصناعة الأنيمي وكواليس عميلة إنتاجه. أحب الرسوم المتحركة بشكل عام.