الجيل الجديد من الرسّامين اليابانيّين

الجيل الجديد من الرسّامين اليابانيّين

بسم الله الرحمن الرحيم

إن لم تقضِ يوم أمس مختبئاً في مكانٍ ما أو منعزلاً عن العالم فغالباً ستكون سمعت مديحاً لحلقة Fate Apocrypha الثانية والعشرين أو حتى شاهدتها. هذه الحلقة كانت مميزةً لدرجة كونها حدثاً لا يتكرر إلا مرةً في السنة، ومن نواحٍ أخرى ربما حدثاً تاريخيّاً على مستوى الصناعة، وهو ما جعلني أرغب بالحديث عنها.

بدايةً فلنتحدث عمّا يجعل هذه الحلقة حدث السنة. قد يتفق الكثيرون على أن هذه الحلقة كانت أقوى حلقةٍ لعام 2017 من ناحية الرسوم(أنيميشن – ساكوغا)، حلقةٌ مبهرةٌ ومدهشةٌ لدرجةٍ جعلت جميع المهتمين بالساكوغا تقريباً سواءً يابانيّين أم أجانب أم عرباً وحتى رسامين يعملون في الصناعة يتحدثون عنها وكم كانت مبهرة. أعرف العديد من الأشخاص ممّن لم يتابعوا حلقةً من Fate Apocrypha (أبو خليفة من الآن فصاعداً) لكن اشتعلوا حماساً في انتظار نزول هذه الحلقة على النت ومشاهدتها، كما فعلت أنا ولم أندم.

لكن أظن أن الناحية الأخرى التي تجعل الحلقة حدثاً تاريخيّاً مثيرةٌ للاهتمام أكثر. لو نظرنا إلى الأسماء التي ساهمت في الحلقة بشكلٍ أساسي، نرى باهي جي دي – Bahi JD، شون إينوكيدو – Shun Enokido، أونسين ناكايا – Onsen Nakaya، تشينا – China، تاكومي سوناكوهارا – Takumi Sunakohara، أراي كازوتو – Arai Kazuto، تاتسويا ميكي – Tatsuya Miki، هاكويو غو  – Hakuyu Go والقائمة تطول. هذه الأسماء ليست الأسماء التي تتوقع أن تثار كل هذه الضجة من أجلها، كـيوتاكا ناكامورا – Yutaka Nakamura أو ميتسيو إيزو – Mitsuo Iso أو نوريو ماتسوموتو – Norio Matsumoto، كل الذين ذكرتهم أو أغلبهم على الأقل ما زالوا في العشرينات من عمرهم ويستعملون التابلت في الرسم، هم الجيل الجديد من الرسامين في صناعة الأنيمي. بالطبع، لا ننسى وجود بعض ذوي الخبرة الطويلة نسبياً في الحلقة كهيرونوري تاناكا – Hironori Tanaka وشينساكو كوزوما – Shinsaku Kozuma.

هذه الحلقة مثلت تطوراتٍ عديدةً مرت بها الصناعة في السنوات الأخيرة، الدافع الأكبر خلفها هو التقنية والإنترنت تحديداً. أولاً معظم الرسّامين رقميّيون(يستعملون التابلت في الرسم – تحدثت عن هذا من قبل هنا)، ثانياً العديد منهم من جيل الويب كـباهي جي دي وشون إينوكيدو، ثالثاً العديد من الأسماء الرئيسية ليسوا يابانيّين كالكوريَّين موانغ – Moaang وإيني – Ini(دونغيونغ كيم) والأهم التايواني هاكويو غو. كل هذه التطورات، الرسم الرقمي و جيل الويب والرسامون الأجانب، كانت تحصل بتدرجٍ في السنين الأخيرة، لكن هذه الحلقة أظهرت نتيجة هذه التطورات التي أصبح لا يمكن تجاهلها: هذا هو الجيل الجديد من الرسامين في الصناعة.

الأشخاص الذين كانت بدايتهم كهواةٍ أُعطوا فرصةً لإظهار أساليبهم المميزة والمدهشة باستعمال “ألعابهم” الحديثة هم الآن أسماءٌ كبيرةٌ في الصناعة تشد انتباه الجميع من المعجبين وحتى الرسامين المخضرمين، وهم قوةٌ لا يستهان بها. معظمهم هم ذاتهم الذين جعلوا من فليب فلابرز – Flip Flappers عام 2016 عملاً رائعاً، والبعض الآخر شارك في أبرز المشاهد من موب سايكو – Mob Psycho 100 أو في القتال الأخير المدهش في فيلم ساو – SAO قبل شهور. أبرز مثال على مكانة بعضهم هي قدرة باهي على جمع أسماء مثل شينغو ياماشيتا – Shingo Yamashita وميتسو إيزو وتشيكاشي كوبوتا – Chikashi Kubota في افتتاحية Atom the beginning التي قام بإخراجها، أو الأسماء التي جمعها هاكويو غو في هذه الحلقة. بالطبع الرسامون الرقميّون لا يشكّلون نسبة 100% من الجيل الجديد من الرسامين في اليابان، لكنهم نسبةٌ لا يستهان بها ولهم تأثيرٌ كبير كما قلت، وربما من الأفضل مناداتهم بـ”ـالجيل الرقمي”.

هناك العديد من الأمور التي تميز هذا الجيل، لكن أبرزها هو أسلوبهم الذي كان واضحاً في هذه الحلقة. الرسم بالتابلت لا ينتج نتيجةً مختلفةً عن الرسم الورقي في معظم الأحيان، لكن عندما تريد إظهار ما يميّز التابلت، فحلقة فيت أبو خليفة 22 هي ما ستحصل عليه. المؤثرات البراقة الغريبة، الخطوط النحيلة القليلة، كثرة التلاعب بالطبقات وغيرها. بعض هذه قد لا ينسب للتابلت تماماً، بل قد ينسب لمستعمليه وأساليبهم، ومناسبتها للتابلت.

ما ميّز الحلقة كان الحرية الواسعة التي أُعطت للرسامين فيها، لدرجة خروج بعضهم أو حتى معظمهم عن تصاميم الشخصيات لتظهر بعض المشاهد كأنها من أنيميات أخرى. هذا الأمر له عيوبه وميزاته، وهو نقاشٌ طويل لا أريد خوضه الآن(وتحدثت عنه قليلاً هنا)، لكن النقطة التي أريد الوصول إليها هي ظهور أساليب الرسامين الحقيقية وتفضيلاتهم الشخصية في هذه الحلقة. يمكنك رؤية كيف أن العديد من المشاهد في الحلقة مجرد مشاهد استعراضية، تذهلك بادئ الأمر، لكنها لا تلتزم بدقة بأساسيات التحريك والأساسيات التي تجعل المشاهد ممتازةً بشكلٍ عام. وهذا يعكس شخصية هؤلاء الرسامين، فهم بدؤوا الرسم كهواية وكمعجبي ساكوغا بالمقام الأول، وبعضهم لم يتدرب أو يتدرج كما يفعل الرسّامون بالعادة في صناعة الأنيمي. يذكرني الأمر بالجيل والأسلوب الكاناداوي في بداية الثمانينات، شتّان بين الجيل الكاناداوي وهذا الجيل بالطبع! لكن ذلك الجيل كان يركّز على جعل التحريك ممتعاً وأخّاذاً أيضاً(لكن دون الإخلال بأساسيات التحريك والمشاهد) وكانت فترة دخول العديدين من الرسامين الجدد في الصناعة بأساليبٍ متشابهةٍ جداً.

الجيل الرقمي يستعملون النت كثيراً. هل تتساءل ما أهمية هذا؟ التواصل معهم أسهل بكثير، والحصول على معلوماتٍ منهم بذات السهولة. لم يكن التواصل بين المعجبين والعاملين في الصناعة بهذه السهولة من قبل. بعد انتهاء عرض الحلقة على الفور بدأ معجبو الساكوغا بتحرّي معلوماتٍ عن الحلقة، والرسامون لم ينتظروا كثيراً للبدء في الحديث عن الحلقة. تغريدات الرسامين العديدة على تويتر كانت مفيدة خاصةً في تحديد من عمل على أي مشهد، الحصول على هذا الكم من المعلومات بعد عرض الحلقة بفترة أقل من وجيزة غير مسبوق.

من الأشياء الأخرى التي قام بها الإنترنت هي المساهمة الضخمة في نشر الأنيمي والساكوغا، ومن ثم تمكين أي شخصٍ من أي مكانٍ في العالم من العمل على الأنيمي الياباني. ومن ناحية أخرى، صناعات الرسوم المتحركة في العديد من دول شرق آسيا، ككوريا والفلبين خاصةً، لها علاقة قوية مع الصناعة في اليابان. مرةً أخرى، هذا موضوعٌ طويل له عيوبه وميزاته ولا أريد الخوض فيه (تحدثت عنه قليلاً هنا)، لكن هذه العلاقة (بالإضافة إلى الإنترنت) سمحت لليابان “باستقطاب” بعض المواهب وربما خسارة بعضها ولو بشكلٍ غير مباشر. مخرج حلقة فيت ورسام لوحة القصة كان التايواني هاكويو غو، وقد شارك أيضاً في الإشراف والرسم المفتاحيّ وحتى الرسم البينيّ! معظم الفضل في هذه الحلقة يعود لهاكويو غو ومساهمته فيها وربما سبب تجمع الأسماء هذه كلها في الحلقة يعود له، بعد الحلقة بقليل بدأ العديد من الرسامين بشكر غو على تويتر، وحتى رسامٌ مخضرمٌ كـشينساكو كوزوما أثنى عليه.

ختاماً حاولت في هذه التدوينة المرور على أبرز التغيرات التي جعلت حلقة فيت مميزة والتي تعطينا نظرةً على مستقبل الصناعة وعلى الجيل الجديد من الرسامين مع تحليلٍ للحلقة. هذا الجيل هم الآن محط الأنظار وسيكون لهم تأثيرٌ كبير على الجيل الذي يليهم ومن يدخل الصناعة من بعدهم. أرى أننا نعيش في فترةٍ مميزة من الصناعة، تمر فيها الصناعة بتغيّرٍ شاسع، وأنا متشوق لرؤية ما يحمله المستقبل لهذا الجيل وللأساليب الرقمية عموماً.