لماذا أصبحت الأنيميات أقصر بشكلٍ ملحوظ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

كثيراً ما تصلني أسئلة عن النواحي الإنتاجية والأنيمي بشكل عام، لذا أفكر في إنشاء فقرة أجاوب فيها عن بعض الأسئلة الشائعة وأي سؤال يصلني من قرّاء المدونة وأراه مناسباً. كأول تدوينة ضمن هذه السلسلة سأجاوب عن أحد الأسئلة التي تتبادر إلى الكثيرين وتصلني أحياناً، وهو السؤال عن كون الأنيميات القديمة وبالأخص تلك التي في الثمانينات وما قبلها أطول بشكلٍ ملحوظ من الأنيميات الحديثة. هذا السؤال إجابته ليست بسيطة، فنحن نتحدث عن فروق بين صناعة الأنيمي قبل 30+ سنة والآن، وأنا شخصياً سأستغل هذا السؤال للحديث عن بعض الفروق والتغيرات بين تلك الفترة والآن بشكل مفصل نوعاً ما.

عند بداية الأنيمي المتلفز في الستّينات وحتى أواخر الثمانينات كانت مشاريع الأنيمي تحقق الربح بواسطة منتج آخر يبنى عليه الأنيمي، مثل المانجا أو الألعاب وغيرها. يتضح هذا الأمر لو نظرت إلى مبيعات المانجا التي بعد عرض أنيمي لها والتي قد تضاعف أو أكثر(ما زال الحال هكذا حتى الآن)، لهذا في تلك الفترة كانت مشاريع الأنيمي يموّلها ناشرو المانجا وصنّاع الألعاب بشكلٍ رئيسي والأعمال التي لا تعتمد على منتج آخر غالباً تفشل. تحدثت عن هذا الموضوع من قبل ولن أدخل في تفاصيله لكنها كانت مراجعة لازمة حتى نفهم التغير الذي حصل.

حتى عام 1983 لم تكن هناك أي أوساط يمكن نشر الأنيمي عليها سوا التلفاز والأفلام(مع كون التلفاز هو الغالب)، لكن في ذلك العام كانت تقنيات التسجيل قد وصلت إلى مستوىً يسمح بتسجيل الحلقات على أشرطة كاسيت(VHS) ونشرها عليها، وكانت تلك بداية الأوفا مع إنتاج أوفا Dallas. إلا أن الأوفات لم تصل إلى ذروتها إلا في أواخر ذاك العقد، تحديداً عام 1988 عندما صدرت اثنتان من الأوفا التاريخيّتين، Patlabor وGunbuster. نجاحهما الضخم كان الأساس في جعل صيغة ست حلقات بمدة 30 دقيقة هي الصيغة النموذجية للأوفا.

لكن بالمقارنة بين النموذجين، القديم الذي يكون فيه الأنيمي منتجاً ثانويّاً والجديد الخاص بالأوفا، نرى أن الربح في النموذج الجديد يعتمد على مبيعات الأوفا، بمعنى أن الأنيمي هو المنتج الرئيسي الذي يشتريه المستهلك. في النموذج القديم لا بأس بأن تكون جودة الأنيمي متدنية طالما المنتج الرئيسي يجذب المستهلك، لكن حتى تصبح الأوفا أكثر جاذبيةً للمستهلكين كان لا بد من زيادة جودتها وهو ليس بالأمر الصعب عندما لا تكون مقيّداً بجدول الأنيميات المتلفزة الضيق. وبعد نجاح الأوفا ونموذجها بدأ المنتجون يحطّون أبصارهم على الأنيمي المتلفز.

أنيمي متلفز مكون من 26 حلقة لديه إمكانية تحقيق 4 أضعاف أرباح أوفا من 6 حلقات، لهذا بدأ نموذج الأوفا ينتقل إلى الأنيمي المتلفز شيئاً فشيء مع أوائل التسعينات. عندها بدأت فكرة لجنة الإنتاج التي تسهل إنتاج الأنيمي خاصة بالميزانية المرتفعة لأنيمي 26 حلقة بجودة عالية بالإضافة إلى تردّي أوضاع اليابان الإقتصادية آنذاك، بهدف تحقيق الربح من مبيعات الأقراص في النهاية. أنيميات مثل إيفانجليون – Evangelion نالت المديح لجودتها العالية مما ساهم في نجاحها، ونجاحها الهائل ساهم بدوره في تثبيت هذا النموذج المبني على أنيميات موسمين أو موسم واحد بجودة عالية. يمكننا ملاحظة كيف تضاعف عدد الأنيميات المتلفزة تقريباً بين عامي 1997 و1999 بفضل هذا. إدخال الجودة العالية التي تتطلب أريحية الإنتاج التي في الأوفا على وسط وقته ضيق مثل الأنيمي كان من الأسباب التي ساهمت في سوء أحوال الصناعة، لكن أظن أنني غطيت هذا الموضوع بشكلٍ جيد في هذه التدوينة.

وحتى لو جمعت ميزانيةً كافيةً لإنتاج 36 حلقة مثلاً، سيكون من الأكثر أماناً وأقل مخاطرةً أن توزّعها على على ثلاث مشاريع 12 حلقة بدلاً من مشروع واحد. كما أن إنتاج الأنيمي سابقاً كان أسهل بكثير، حتى مع التسهيلات التقنية الحالية فالتفاصيل والخطوات الإضافية التي بدأت تمر بها عملية صناعة الأنيمي تصعِّب الإنتاج، وعندما نرى قلة العاملين في الصناعة حالياً فلا عجب من أن أنيميات ال12 حلقة بالكاد يتم إنهاؤها، فكيف بأنيمي 24 حلقة؟ حتى عندما بدأت شركات الإنتاج تتجه إلى نموذج الحلقات الأقل كان العديد منها أنيمات 26~24 حلقة لكن تغير الحال. كل هذا بالإضافة إلى التمويل الخارجي وسعي شركات الإنتاج اليابانية إلى الحفاظ على نسبة تملك عالية للمشروع هي من الأسباب الرئيسية للزيادة الملحوظة في أنيميات 12 حلقة. هذه الأسباب مرتبطة بموضوع تحدثت عنه في تدوينتي السابقة، لهذا ستجد الحديث المفصّل عنها هناك.

أرجو أن أكون قد أوردت إجابةً وافيةً لهذا السؤال في هذه التدوينة. إن كان لديك سؤال يتعلق بالإنتاج أو ما شابه يمكنك إرساله لي حتى أجاوب عنه عندما تسنح لي الفرصة، على حسابي في Ask.fm أو على الرسائل الخاصة في تويتر.

حسابي على Ask.fm.

حسابي على تويتر.