استديو لايف واستديوهات الثمانينات الصغيرة

استديو لايف واستديوهات الثمانينات الصغيرة

بسم الله الرحمن الرحيم

الثمانينات كانت فترة مميزة من تاريخ الأنيمي، ليس من ناحية التصاميم فقط (وهو أمرٌ تكلمت عنه هنا)، بل من نواحي عديدة أخرى. سأحاول في هذه التدوينة الحديث عن أحد تلك النواحي. هذه التدوينة تميل إلى كونها من النوع الذي يشير ويشيد بأمرٍ معين، تدوينة تقدير، أكثر من كونها تدوينة معلومات بحتة. الموضوع الذي سأتحدث عنه هو استديوهات الثمانينات الصغيرة(إن صح تعبير “الصغيرة”)، وهو ليس بالموضوع السهل، لذا “سأحاول” الحديث عنه.

ماذا أعني بالاستديوهات الصغيرة؟ في الثمانينات وحتى في السبعينات، تواجدت العديد من الاستديوهات الصغيرة التي تركز على العمل كمتعاقدٍ فرعي. بمعنى أن عملها يتركز على جوانب معينة، كالرسم أو التلوين، وفي أقصى الحالات ستقوم هذه الاستديوهات بتولّي إنتاج حلقةٍ كاملة بنفسها. ما زالت هذه النوعية من الاستديوهات متواجدةً اليوم، لكنها لا تقارن بما كانت عليه سابقاً. الاستديوهات الصغيرة هذه كانت أشبه بتجمع مواهب، مكانٌ يؤوي العديد من الموهوبين، يؤمن لهم العمل ويسهله عليهم.

فترة الثمانينات كانت مختلفةً بشكلٍ شاسع عن الحاضر. الآن، معظم العاملين على الأنيمي لا ينتمون إلى شركة أو استديو، حرّون(Freelance)، بينما كان هذا الأمر نادراً في الثمانينات. لذا كان دور الاستديوهات هذه مهماً، حيث توفر مكاناً للعمل خاصة بالنسبة للأشخاص الذين لا يسكنون في طوكيو حيث تتركز معظم الاستديوهات، استديو أنيمي آر – Anime R في أوساكا مثلاً كان وجهةً جيدة لو كنت من سكان المدينة بدلاً من الانتقال للعاصمة الباهظة طوكيو. وهي في الوقت ذاته طريقةٍ جيدة للحصول على عمل والبدء في الصناعة.

استديو أنيمي آر يشغل طابقين من هذا المبنى في أوساكا. مصدر

بداية العديد من العاملين المخضرمين والمشهورين في الصناعة كانت في إحدى هذه الاستديوهات. هيرويوكي أوكيورا – Hiroyuki Okiura كانت بدايته في استديو أنيمي آر، هيرويوكي كيتاكوبو – Hiroyuki Kitakubo وكوجي إيتو – Koji Ito كانت بدايتهما في استديو نيو ميديا – Neo Media، هيروشي وتانابي – Hiroshi Watanabe، أحد أبرز رسامي الثمانينات، كانت بدايته في استديو لايف – Studio Live، وهو الاستديو الذي سأركز في الحديث عنه كمثال في هذه التدوينة. مؤسس استديو لايف بذاته، تويو أشيدا – Toyoo Ashida، قام بإخراج سيف النار – Fist of the North Star وVampire Hunter D، ثم أصبح أحد ممثلي جانيكا.

استديو لايف كان يتمتع بالعديد من المواهب وكان يقدم حلقاتٍ بارزة في الأعمال التي عمل عليها، هذا غير مستغرب من استديو كان يحوي أسماء مثل: هيروشي واتانابي، كازوكو تادانو – Kazuko Tadano، هيرومي ماتسوشيتا – Hiromi Matsushita، كاتسوهيكو نيتشيجيما – Katsuhiko Nishijima، ياماوتشي نورياسو – Noriyasu Yamauchi وغيرهم العديد. كازوكو تادانو ستخرج من استديو لايف لاحقاً لتصبح مصممة شخصيات أنيمي سيلر مون – Sailor Moon الشهير، وكمعلومة جانبية فقد التقت زوجها، هيرومي ماتسوشيتا، في استديو لايف على الأرجح.

بالنظر إلى أنيمي مينكي مومو – Minky Momo على سبيل المثال، يمكننا رؤية كيف لعبت الاستديوهات الصغيرة دوراً كبيراً في الحلقات الرئيسية للعمل. أبرز رسامي المسلسل كان العديد منهم من استديو لايف، خاصة في الحلقات المهمة، وهو ليس مستغرباً كون تويو أشيدا شارك في تصميم شخصيات العمل. الحلقة الأخيرة شارك فيها هيرومي ماتسوشيتا وهيروشي واتانابي، واتانابي خاصة قدم عملاً مبهراً في جعل القتال الأخير يبدو مشوقاً وبإعطاء الظل الشرير ظهوراً مميزاً بمهارته العالية في رسم الدخان(الموائع).

في الفيلم أيضاً، والذي أعتبره متعةً بصريةً خالصة لو كان أحدكم يود متابعة فيلمٍ جميل، كان تواجد استديو لايف والاستديوهات المتعاقدة الأخرى حاضراً. هيروشي واتانابي، ونورياسو ياماوتشي، وهيروشي  كوجينا – Hiroshi Kojina وغيرهم من استديو لايف، كوجي إيتو من استديو غرافيتون، وربما غيرهم ممّن لم ألحظهم. كل هؤلاء الرسامين قدموا عملاً جميلاً في الفيلم، وهيروشي واتانابي قدم عملاً جيداً كمشرف رسوم فضلاً عن المشاهد التي رسمها. بذكر استديو غرافيتون فهو غريبٌ بعض الشيء، فقد تم تأسيسه من قبل 4 رسامين مشهورين حرّين آنذاك، كوجي إيتو بعدما خرج من نيو ميديا، وهيدياكي آنو مخرج إيفانجليون، وشويتشي ماسو – Shoichi Masuo، ونيتشيجيما كاتسوهيكو – Katsuhiko Nishijima. لا أظن أن هذه الشراكة استمرت طويلاً، خاصةً آنو الذي تركهم سريعاً، والاستديو بشكلٍ عام كان غالباً مجرد غرفةٍ مشتركة يعمل فيها كلٌّ منهم على مشروعه.

مجموعة أخرى قدمت حلقات بجودة جيدة كانت تتضمن كوساكابي ميتسو، وإيمورا كازو، وموكوداي نوريكو، وأوزاكي ماسايوشي. هذه المجموعة قدمت إحدى عشرة حلقةٍ معاً، وقاموا لاحقاً في عام 1984 بتأسيس استديو صغير اسمه استديو ساين – Sign ومواصلة العمل معاً. استديو ساين ما زال موجوداً حتى الآن ومعظم مؤسسيه، أو ربما حتى كلهم، ما زالوا يعملون فيه. يمكنك زيارة موقع الاستديو هنا، وربما الإطلاع قليلاً على صور الطعام التي ينشرها الطاقم، أو المقاطع القصيرة التي غالباً ما تكون غريبةً لكن جميلةً في أحيانٍ أخرى. استديو لايف أيضاً ما زال موجوداً ويقدم في موقعه محتوىً ممتازاً يتعلق بالساكوغا والتفاصيل التقنية في الأنيمي بالإضافة إلى مقابلات مع العديد من الأشخاص البارزين في الاستديو، أو فيديوهات كواليس في قناتهم على نيكو نيكو دوغا. فقط لو كان لدينا شخصٌ بمهارة عالية في اللغة اليابانية ليترجم هذا المحتوى لنا!

أظن أنه لا داعي لأمثلةٍ أخرى حتى أبين كيف أن الاستديوهات الصغيرة هذه أضافت لمسةً فنيةً ضخمةً على مينكي مومو، بل لن أبالغ لو قلت أن أي لمسةٍ فنيةٍ جميلةٍ في مينكي مومو، كان خلفها في الغالب أحد العاملين من استديو صغير. وهذه الحال لم تكن في مينكي مومو فحسب، بل في العديد والعديد من أنيميات تلك الفترة.

من المفيد توكيل إنتاج بضعة حلقات إلى استديوهات صغيرة ذات مواهب جيدة عند إنتاج مشروعٍ طويل، كحال أغلب أنيميات تلك الفترة الطويلة، بتقليل الحمل مع المحافظة على الجودة. فكانت الاستعانة باستديوهات كهذه أمراً شائعاً. ما زالت الحاجة إلى توكيل عدة حلقات في الأنيمي الواحد إلى استديوهات أخرى قائمةً، لكن العديد من العوامل ساهمت في تهميش دور هذه الاستديوهات. التبريرات التي سأكتبها ليست مؤكدةً وهي أقرب إلى ملاحظاتٍ شخصية أرجح كونها السبب، أولها هو زيادة الاستعانة باستديوهاتٍ خارجية(في كوريا أو غيرها) في عملياتٍ أساسية كالبينيّات وحتى المفتاحيّات، وهي عملياتٍ كانت تشكل جوهر عمل الاستديوهات الصغيرة. السبب الثاني هو تفضيل العاملين حالياً العمل بشكلٍ منفرد بدلاً من الالتزام أو الانضمام إلى استديو معين، ربما لسهولة العمل من المنزل الآن أو لأن الطلب على العاملين في أعلى مستواياته لذا من شبه المضمون الحصول على عمل. أو لأن الاعتماد على استديو آخر في إنتاج حلقةٍ ما أصبح غالباً في حالة ضيق الجدول ونفاد الوقت، ممّا لا يسمح للاستديوهات الصغيرة هذه بتقديمٍ عملٍ جيد. وربما ساهمت التغيرات العديدة التي تحدثت عنها في تدوينتي هذه بشكلٍ أو بآخر في تهميش دور الاستديوهات الصغيرة.

ما زال من الممكن إيجاد حالاتٍ كالتي كانت في الثمانينات، كاستديو كولوريدو الذي أنتج الحلقة الرابعة من أنيمي Battery قبل نصف عامٍ تقريباً، لكن هذه الاستديوهات أصبحت نادرةً أو غالباً تعتبرها محطةً مؤقتة حتى تتمكن من إنتاج أعمالها الخاصة في المستقبل. استديو لايف له مشاركات بارزة في العديد من الأعمال الحديثة، وأحياناً أعمالاً شهيرةً كنسخة 2011 من هنتر × هنتر. في الواقع، مشاركة لايف في هنتر كانت كبيرة، حيث ساهم عاملون من لايف في العديد من الحلقات المهمة في هنتر وكانت حلقاتهم ذات جودةٍ عالية. يمكن رؤية كم كانت مشاركة لايف في هنتر مؤثرة بالنظر إلى اسم المخرج فقط، فـمخرج هنتر كان هيروشي كوجينا رئيس استديو لايف بذاته. هيروشي كوجينا خلف توشيو أشيدا كرئيسٍ لاستديو لايف بعد وفاته، وكان توليه رئاسة استديو لايف في العام ذاته الذي بدء فيه عرض هنتر.

الأسماء البارزة من لايف التي شاركت في هنتر تتضمن العديد من الأشخاص، بدءاً بـتوموكي موري – Tomoki Mori، ثم تاكاهاشي ميكا – Takashashi Mika، ثم إيشي ماي – Ishii Mai وآخرون غيرهم. عملهم كان بارزاً كمشرفي رسومٍ بشكلٍ عام، لكن هذا لا ينفي مشاركة لايف الكبيرة في الرسم والتي يمكن ملاحظتها بوضوحٍ أحياناً كمشاهد توموكي موري الجميلة.

بما أنني ذكرت هنتر والمجموعة التي شاركت فيه من استديو لايف، يجب علي التعقيب على بعض التطورات الأخيرة بخصوصهم. بعد الانتهاء من هنتر بفترة قصيرة، في عام 2014، أسس منتج هنتر كيجي ميتا استديو جديد اسمه فولن – VOLN. مجموعة كبيرة من الذين شاركوا في هنتر من استديو لايف عملوا مع استديو فولن العام الذي يليه على أنيمي أوشيو تو تورا – Ushio to Tora، هذه المجموعة تشمل الأسماء الثلاثة التي ذكرتها وأسماء بارزة أخرى ممّن عملوا على هنتر من استديو لايف وحتى من خارجه. توموكي موري كانت مصممة شخصيات تورا ومشرفة الرسوم العامة للعمل بأكمله بموسميه لوحدها، العبء الثقيل هذا ربما كان السبب في اختفائها عن الصناعة حالياً فلم تشارك في أي عمل في عام 2017 حتى مع فولن!

آخر الأعمال التي شارك فيها فولن كان آيدول جيهن – Idol Jihen هذه السنة، حيث كانت إيشي ماي مصممة الشخصيات ومشرفة الرسوم العامة. ليس من الواضح ما إن كانت هذه المجموعة خرجت من استديو لايف بالكامل للانتقال إلى فولن، فحال العاملين في الصناعة والرسامين خاصةً فيه تساهلٌ كبير ولا التزام شديداً فيه بالانتماء إلى استديو ما دون غيره. من الجدير بالذكر أن في الأعمال الثلاثة التي شارك فيها فولن كان استديو لايف حاضراً فيها أيضاً، كمساعد إنتاج(Production Cooperation) على الأقل.

الرسمة الختامية للحلقة العاشرة من أنيمي Idol Jihen، من رسم إيشي ماي.

أما الاستديوهات الأخرى التي ذكرتها في هذه التدوينة لم تصمد كما صمد استديو لايف. أنيمي آر واستديو زاين، ما زالا موجودين وما زالا يشاركان في إنتاج الأنيمي، إلا أنهما لا يشبهان ما كانا عليه في السابق. لقد أصبحا استديوهين بلا هوية وعديمي المواهب. عندما يتم تصدير الحلقات إلى استديوهات أخرى الآن فالنتائج غالباً ما تكون سيئة أو حتى كارثية، وموضوع التصدير\التوكيل بشكلٍ عام موضوعٌ طويل يحتاج إلى تدوينة أخرى مستقلة.


كانت هذه التدوينة كمقدمة عن الاستديوهات الصغيرة في الثمانينات مع بعض الحديث عن استديو لايف ومواضيع أخرى متفرقة. أشعر كأنني تشعبت كثيراً وأضعت الموضوع الرئيسي الذي كنت أتحدث عنه، لكن آمل أن هذه “الجولة” قد أمتعتك، وربما حتى حفزتك للبحث في أسماء العاملين والعلاقات بينهم عند متابعة أي أنيمي ينال إعجابك. قد أقوم ببضع تدوينات أخرى أتحدث فيها عن كل استديو على حدة، كتدوينة عن استديو أنيمي آر أو نيوميديا وأعمالهم. قبل أن أختم هذه التدوينة، أود أن أشكر nawaf4202@ و conan_edw@ لمساعدتهما في تحسين محتوى هذه التدوينة.