هانا وأليس: قضية الروتوسكوب

هانا وأليس: قضية الروتوسكوب

بسم الله الرحمن الرحيم

“روتوسكوب” أو Rotoscope، معظم متابعي الأنيمي لديهم انطباعٌ سيِّئ عن هذه الكلمة لأنهم سيتذكرون غالباً أنيمي Aku no Hana. إلا أن الروتوسكوب يشمل أشياء كثيرة أخرى غير هذا العمل، وله جماله الخاص لو استعمل بشكلٍ صحيح. بعد مشاهدتي(الثانية) لفيلم “قضية هانا وأليس” أو The Case of Hana & Alice، الذي أعتبره أحد أفلامي المفضلة، قررت أنه حان الوقت لأكتب تدوينة عن الروتوسكوب أبيّن جوانبه التقنية وجمالياته.

الروتوسكوب – Rotoscope

الروتوسكوب هي تقنية رسوم متحركة، يتم فيها نسخ مشهد واقعي (Live Action) تم تصويره مسبقاً بالرسم فوقه. في مشهد جري مثلاً، يتم تصوير شخصٍ ما يجري ثم الرسم فوقه على الكمبيوتر. من الجدير بالذكر أن استعمال المشاهد الحقيقية كمرجع أمرٌ لا يقتصر على الروتوسكوب فقط، وهو يستعمل في أي مشهد أنيمي عادي، مثل مشهد جري بطلة فيلم “الفتاة التي قفزت عبر الزمن” أو Toki wo Kakeru Shoujo أسفل المنحدر للرسام ريو تيمو الذي قام فيه بتصوير نفسه وهو يجري قبل أن يرسم، أو مشهد العنكبوت الآلي الذي “يقال” أن ميتسو إيزو احتجز عنكبوتاً داخل كأس وراقب حركته قبل أن يرسم المشهد، لكن في الروتوسكوب يتم نسخ الحركة بالرسم فوقها أكثر من كون الأمر مرجعاً.

تقنية الروتوسكوب تقنية قديمة لا تقتصر على الأنيمي، واستعمالاتها في الرسوم المتحركة الأمريكية وحتى الأفلام الواقعية متعددة أشهرها ربما في فيلم Star Wars. من ابتكر هذه التقنية هو الرسام(ِAnimator) الأمريكي ماكس فليشر عام 1914 وتم تسمية التقنية نسبةً للآلة التي اخترعها فليشر للقيام بعملية الروتوسكوب، على الرغم من أن الكمبيوتر حلّ مكان هذه الآلة إلا أن التسمية ما زالت قائمة.

عملية الروتوسكوب قد تنتج خطوطاً مختلفةً قليلاً بين الإطار والآخر، وعند عملية جمع الإطارات وتحريكها تلك الخطوط المختلفة ستظهر كأنها تهتز، كما في هذا المثال من فيلم “قضية هانا وأليس”.

الروتوسكوب في الأنيمي

قد تظن أن استعمال الروتوسكوب في الأنيمي يقتصر على Aku no Hana وفيلم “هانا وأليس”، إلا أن استعماله يشمل أشياء أعمالاً أخرى كثيرة. حتى في الأنيميات المشهورة، مثل Naruto Shippuuden، كان للروتوسكوب حضور في الافتتاحية 18، وفي أنيمي Ping Pong the Animation كان للروتوسكوب حضور بارز خلال الافتتاحية الممتازة ومشاهد أخرى، والأمثلة تطول.

قد تتساءل لماذا الروتوسكوب في ناروتو أو Ping Pong يبدو مختلفاً تماماً عن الروتوسكوب في Aku no Hana و”قضية هانا وأليس”، وهذا لأن في روتوسكوب ناروتو قام الرسامون بنسخ الحركة فقط دون نسخ مظهر. الروتوسكوب ينتج حركةً واقعيّة يصعب على الرسم التقليدي مضاهاتها، لهذا استعمال الروتوسكوب هو خيارٌ فنّي لإكساب بعض المشاهد، وربما أعمالاً كاملة، صفة الواقعية. وبالطبع، عند استعمال الروتوسكوب لمشهد واحد فقط، يجب أن يلتزم المشهد بالأسلوب الفني الخاص بهذا العمل، لذا يتم نسخ الحركة فقط.

واقعية الروتوسكوب التي يضيفها هي أبرز مزاياه التي تدفع الصنّاع لاستعماله. بسبب الواقعية المعروفة للروتوسكوب، بعض المشاهد العادية التي تتّسم بالواقعية قد يظن البعض أنه تم استعمال الروتوسكوب فيها، مثل مشهد باهي جي دي – Bahi JD في أنيمي Sakamichi no Apollon، إلا أن باهي نفى استعمال الروتوسكوب في المشهد. ادعاء استعمال الروتوسكوب في مشهدٍ ما لم يستعمل الروتوسكوب مجحفٌ بحق الرسام، لأن فيه تقليلاً من مهارة الرسام وجهده ووصف المشهد بأنه مجرد نسخ.

واقعية الروتوسكوب لا تقتصر على التحريك فقط، فهي تشمل التعابير أيضاً لو تم نسخ المظهر بالإضافة إلى الحركة، كما حصل في فيلم “قضية هانا وأليس”. أبرز ما يميّز العمل هو أسلوبه الفني الذي يعتمد على الروتوسكوب. واقعية الروتوسكوب في التعابير قدّمت خلال “قضية أليس وهانا” تعابير قويّة ومعبّرة، سواءً أثناء الضحك، البكاء، ولا أدري ماذا أدعو الصورة الأخيرة.

بعض الرسامين يستعملون الروتوسكوب ليس للواقعية فقط بل لتوفير الوقت لأن الروتوسكوب لا يحتاج الكثير من الجهد. كما أن الروتوسكوب يقدم حركةً ممتازة للملابس وطيّاتها (وهو ما يطلق عليه Fabric Animation) في حال تم نسخها طبعاً.

لا أظن أن للروتوسكوب عيوباً، في حال تم تنفيذه بشكل صحيح، بل ربما خصائص فنية تنفر مشاهد الأنيمي منها. الروتوسكوب بمظهر شخصياته الواقعي وقليل الخطوط في الوجه عادةً، لا يجذب متابع الأنيمي المعتاد على المظاهر اللطيفة أو “الخيالية” أكثر، إن صح التعبير. واقعية الروتوسكوب في الحركة أيضاً لديها جانب ينفر المشاهد، وهي أمورٌ ربما لا تلقي لها بالاً إلا عند رؤية نقيضها في الروتوسكوب.

حركة الشفاه البسيطة في الأنيمي هي في الواقع نتاج سلسلة من حركات عضلات الوجه، مما يؤدي إلى تغير كبير لتعابير الوجه أثناء الكلام. هذا لا نراه في الأنيميات عادةً ولا نرى حتى حركة شفاهٍ واقعية معظم الأحيان (نظراً للميزانية والوقت)، إلا أن الروتوسكوب ينقلها غالباً. هذا الأمر لا يقتصر على حركة الشفاه، بل كل حركة في الجسم تقريباً تتضمن حركات ثانوية أخرى يتم إسقاطها في الأنيمي التقليدي.

هناك اختلاف آخر بين الروتوسكوب والأنيمي، لكن هذه المرة الأنيمي هو من يقدم هذا العنصر بخلاف الروتوسكوب الذي يفتقده. في الواقع، عندما تراقب حركة الأجسام السريعة فلن تراها واضحة، بل سترى تأثيراً يعرف بـ”تشتت الحركة” (Motion Blur). هذا التأثير غير موجودٍ في الرسوم المتحركة، إلا أن الرسامين يستبدلونه بما يعرف بالـ”ـغباشة” (Smears)، لكن الروتوسكوب يفتقر لكليهما. يمكن إضافة تأثير التشتت يدويّاً في الروتوسكوب، وهو ما حصل في Aku no Hana، إلا أن “قضية هانا وأليس” افتقر إليه.

هذا تأثير الغباشة الذي أتحدث عنه

ذكرت أكثر من مرة الاستعمال الخاطئ للروتوسكوب، لكن لم أذكر مثالاً عليه. الاستعمال الخاطئ للروتوسكوب قد يكون في الاختيار الخاطئ لإسقاط التفاصيل أو إضافتها، أو مزجه بتحريك الثلاثات – 3:s (شرحت هذه الفكرة هنا). هذا النوع من التحريك ليس جيداً على أية حال، لكنه مع الروتوسكوب ينتج حركةً مريعة، كما في هذا المشهد من بداية “قضية هانا وأليس”.

في النهاية، أعتقد أن الروتوسكوب خيارٌ فني مثله مثل خيارات كثيرة أخرى، تعتمد على التقبل والتفضيل الشخصي. الروتوسكوب يضيف أشياء كثيرة للعمل وقد يفقده أشياء أخرى، وشخصياً أؤيد الاستعمال الممتاز للروتوسكوب كما في “قضية هانا وأليس”. تقنية الروتوسكوب من أقدم التقنيات التي استعملت في الرسوم المتحركة وما زالت تستعمل حتى الآن، لكنها تطورت كثيراً ومن التقنيات التي أثارت اهتمامي عندما قرأت عنها، تاريخها، واستعمالاتها، إلا أن تدوينتي هذه لن تغطي هذه المواضيع وسأدعها لكم حتى تبحثوا عنها.