الصناعة بين الرقمي والورقي

الصناعة بين الرقمي والورقي

بسم الله الرحمن الرحيم

في تسعينات القرن الماضي بدأ عالم صناعة الرسوم المتحركة بتبني التقينة والأساليب الرقمية في الإنتاج. ديزني تخلى عن أوراق السيلولويد، وعن الرسم الرقمي تماماً سنة 2004 واتجه لرسوم الكمبيوتر 3DCG في أفلامه، وهو السائد حالياً في الأفلام الغربية الطويلة، بينما الأعمال التلفازية الغربية مثل Steven Universe تستعمل الرسم الرقمي بالتابلت. صناعة الأنيمي في اليابان ما زالت متشبثة بالأساليب القديمة إلا أنها تشهد تحولاً كبيراً وتقبلاً أكبر للتقنية الحديثة والأجهزة، وهو ما أود مناقشته في هذه التدوينة.

العاملون في الصناعة معظمهم أناس تعلموا بالتقليد والتجربة واعتادوا على التقنية الحالية التي يستعملونها، كثيرٌ من الصنّاع معارضون للتقنية الحديثة وتغيير الأساليب المعتادين عليها، للمحافظة على هوية الأنيمي أو لاعتيادهم الأساليب القديمة وملاءمتها لهم. لكن في السنين الأخيرة بدأت التقنية بالتغول أكثر فأكثر في صناعة الرسوم المتحركة اليابانية.

في التسعينات بدأت استديوهات الأنيمي بالاعتماد على الكمبيوتر في صناعة، أُغلق قسم التلوين اليدوي في استديو Production I.G سنة 1999 بعد تلوين Jin-Roh يدوياً، وشهدت تلك الفترة أيضاً تغيراً مهماً في الصناعة من أوراق السيلولويد المستعملة في التلوين اليدوي إلى الأوراق الحالية، استديو Toei على سبيل المثال قام بالتحول من السيلولويد سنة 2002.  

فيلم الأميرة مونونوكي سنة 1997 كان آخر فيلم لغيبلي يتم تلوينه يدويّاً

مع كل تغير للكمبيوتر وتدخل أكثر للتقنية نفقد أمور وسماتٍ تميز بها الأنيمي، هذان التحولان (الأوراق الجديدة والتلوين الرقمي) عرّفا أنيميات القرن الواحد والعشرين والشكل الجديد للأنيمي مقارنةً بأنيميات القرن العشرين. التلوين اليدوي كان جميلاً وله رونقه الخاص بالطبع، لكن التلوين الرقمي جلب ميزات وتسهيلات كثيرة. زادت سرعة وسهولة التلوين بشكل كبير، وأصبح من الأسهل استعمال الظلال، وأصبحت الأخطاء أقل وأسهل في التصحيح، وتم الاستغناء عن الألوان الفيزيائية وأمور أخرى.  

التحول من السيلولويد إلى الورق القابل للتصوير (Scan) للكمبيوتر هي بداية حقبة دخول الكمبيوتر للصناعة، أبرز سماتها ربما التلوين الرقمي لكنه مجرد عمل واحد بين عدة أعمال يؤديها الكمبيوتر. استعمال الكمبيوتر قد يختلف ويتباين من استديو لآخر ومشروعٍ لآخر، لكن هناك أعمال أساسية سوف أتحدث عنها قليلاً هنا.  

التركيب والتصوير (Filming)

تغيرت مرحلتا التصوير والإنهاء تغيّراً تامّاً بعد دخول الكمبيوتر. قبل دخول الكمبيوتر كان يتم التصوير فعلياً بواسطة كاميرا تصور كل الإطارات، لهذا سمّيّت العملية بالتصوير وبقي الاسم حتى الآن. كانت هذه المرحلة كفيلةً بـ”تركيب” الإطارات وجمعها في صيغة نهائية أو ربما شبه نهائية، لكن حالياً بعد القيام بمسح الإطارات ستكون مجرد إطاراتٍ متفرقة على الجهاز، لهذا يتطلب الأمر برنامجاً متخصّصاً لجمع هذه الإطارات معاً وعادةً ما يستعمل RETAS في هذا.

مسح الإطارات سمح بفرصةٍ لاستعمال كل ما يحلو لك من برامج عليها، مثل برامج المؤثرات كـAdobe After Effects وغيره. العديد من المؤثرات التي نراها حالياً لم يكن باستطاعتك القيام بها سابقاً وبعضها كان يتم تنفيذه بصعوبة. تأثير لمعان العيون في آلات الميكا أو الضوء الساطع في كثير من المشاهد الأخرى كان ممكناً نظراً لطبيعة ورقة السيلولويد الشفافة وباستعمال الضوء المنبعث من آلة التصوير.

https://twitter.com/alex_swak/status/728894815006494721

استعمال المؤثرات متفاوت من استديو لآخر، البعض يقلل منها والآخر يزيد منها أو يستعملها بشكلٍ مميز مثل أنيمي Kabaneri of the Iron Fortress.  

أمر آخر ساعد الكمبيوتر فيه بشكلٍ بارز هي حركة الكاميرا. من أصعب المشاهد بالنسبة لرسّام مفتاحيّات هي المشاهد التي تتضمن حركة كاميرا معقدة مثل استدارة الكاميرا حول نقطة معينة. الكمبيوتر ساعد كثيراً وسهل القيام بهذه المشاهد، باستعمال برامج الثري دي وغيره، لكن حتى قبل زمن الكمبيوتر كان هناك العديد من الرسامين الذين يجيدون هذه المشاهد وقدموا مشاهد رائعة مليئة بحركات كاميرا معقدة.

استعمال الكمبيوتر في الكاميرا يجلب معه جانباً آخر رقميّاً، وهي المخططات ثلاثية الأبعاد – 3D Layouts. المخططات ثلاثية الأبعاد هي مخططات عادية لكن تم رسمها بواسطة برامج الكمبيوتر بدلاً من الورق، وتستعمل عادةً في المشاهد ذات حركة الكاميرا الكثيفة أو التي يكثر استعمال ال3DCG فيها. الثري دي يساعد كثيراً في تخفيف التكلفة عندما يستعمل في الخلفيات أو بعض الأشياء الجانبية مثل الحشود والسيارات. الثري دي “الرديء” أرخص من رسم اليد ويمكن استعماله أكثر من مرة في عدة مشاهد بدلا من الرسم مرةً أخرى.  

مخطط ثري دي من إحدى إعلانات ماكوتو شينكاي القصيرة

على الرغم من كل هذا، ومع مرور عقدين أو أكثر على دخول الكمبيوتر صناعة الأنيمي، إلا أن الصناعة ما زالت في جوهرها تقليديّة، أي باستعمال الورق. ما زال الورق هو العنصر الأساسي في صناعة الأنيمي حيث يرسم كل شيء تقريباً عليه وتبنى الخطوات التالية للعملية بناءً على هذا، مثل عملية التصحيح ونقل المشاهد بواسطة ظرف أوراق وغيره.

أمورٌ كثيرة تدفع صناعة الأنيمي للتشبث بأساليبها القديمة وتؤخر انتقالها للتقنية الحديثة. ديزني بدأت باستعمال الCAPS، بشكلٍ مبسط هو النظام الذي يعتمد على مسح الرسومات إلى الكمبيوتر، منتصف الثمانينات، بينما احتاجت معظم استديوهات اليابان لعشر سنين أخرى على الأقل حتى تبدأ باستعمال نظام مماثل. من الأسباب خلف هذا اعتياد الصنّاع على أسلوبهم القديم ورفضهم تركه، وغلاء استعمال الكمبيوتر في البداية مقارنةً بالطريقة القديمة.

ربما أبرز ما يمنع الصناعة من الانتقال إلى التقنية الحديثة هم الصنّاع أنفسهم، معظمهم أناسٌ تعلّموا بالتجربة وتقليد الصنّاع الأكثر خبرة، لهذا هم معتادون على أسلوبهم الحالي ويرون أنه لا أفضل منه. لكن العالم يتطور وبعض الصنّاع يتأقلمون مع التقنية الحديثة، وهناك جيلٌ جديد قادم من الصنّاع وثورة جديدة في الصناعة قد تبدل النظام الورقي القديم، وهي ثورة الرقمية والتابلت.

ثورة الرسم الرقمي وريو تيمو

الرسم الرقمي – Digital Animation هو الرسم عن طريق التابلت أو بالكمبيوتر، غالباً باستعمال برنامج الفلاش – Adobe Flash. الرسم الرقمي ربما أبرز تغير طرأ على صناعة الأنيمي منذ دخول الكمبيوتر عليها أواخر التسعينات، إلا أن دخول الرسامين الرقميين إلى الصناعة تأخر عشر سنين تقريبا في حوالي سنة 2004 ربما. مع انتشار الإنترنت وتطور تقنية الرسم الرقمي، تمكن الكثيرون من تجربة الرسم عبر أجهزة الكمبيوتر أو التابلت ونشر ما رسموه بواسطة الإنترنت على مواقعهم أو مدوناتهم الخاصة بسهولة. هؤلاء هم من يسمون في الصناعة جيل الويب – Web Generation، جيل ولد في عصر الإنترنت والتابلت وقام مخرجون ومنتجون بإشراكهم في الصناعة بعد أن رأوا أعمالهم على الإنترنت. هناك مصطلح أكثر تخصصاً يطلق على من رسموا الصور المتحركة (Gif) تحديداً ونشروها على الإنترنت كوسيلة لتعلم الرسم والتحريك، هذا المصطلح هو رسامو الصور المتحركة – Gif Animators.  

الصناعة ما زالت تعتمد تماماً على الرسم الورقي وهذا يقيد العمليات الأخرى نظراً لطبيعة الورق، لذا لم تكن الصناعة ومن فيها مرحّبين تماماً باستعمال الرسم الرقمي. كثيرٌ من الرسامون دفعوا بهذه التقنية وبذلوا الكثير لإثبات جدارتها وإشراكها بشكل جاد في الصناعة المعقدة، إلا أن رساماً واحداً قدم أكثر من غيره، قائد الثورة ريو تيمو – Ryo Chimo.  

ريو قد لا يكون أول من دخل الصناعة من جيل الويب، حيث يعتبر كينيتشي كوتسونا – Kenichi Kutsuna الأول، إلا أنه من الأوائل. في شبابه، مثل معظم الذين يعملون في الصناعة، كان ريو أوتاكو مما جعله يتخذ الرسم والتحريك هوايةً له. ريو كان يعمل في شركة لألعاب الفيديو قبل أن يكتشف المخرج أوسامو كوباياشي – Osamu Kobayashi موقعه وأعجب بالصور المتحركة التي رفعها عليه، فقرر كوباياشي إعطاءه فرصةً للعمل كرسّام في أنيمي BECK (الذي شهد تواجد بعض الرسامين الرقميين الآخرين). على غير العادة، تيمو بدأ العمل كرسّام مفتاحيّات مباشرةً وتخطى العمل للبينيّات في الاستديو. طوال تلك الفترة، كانت أعمال كيوتو أنيميشن مقتصرة على مرحلتي التلوين وكرسّام بينيّات، وأصبح من الرسامين الرئيسيين في أنيمي BECK.  

بعد عمله في BECK بمدةٍ قصيرة، حصل ريو على عرض للعمل في أنيمي Sousei no Aquarion. عمله في هذا الأنيمي نقطة بارزة في مسيرة ريو، حيث تمكن من الرسم رقميّاً فعلاً للمرة الأولى في الحلقة 19. الشخص المسؤول عن كل شيء تقريباً في تلك الحلقة هو ساتورو أوتسونوميا – Satoru Utsnomiya، وهو، إن لم أكن مخطئاً، شخصٌ يحب الخروج عن المألوف وتجربة شيءٍ جديد. ساتورو من داعمي الرسم الرقمي، ودفع باستعمال مخططات ثلاثية الأبعاد – 3D Layouts التي لم تكن شائعةً في ذلك الوقت، وهي الآن تستعمل بكثرة. هذا الشخص هو من سمح لـريو بأن يرسم رقميّاً على راحته.  

بعد هذا واصل ريو تيمو مسيرته في الصناعة لعدة سنين وأثبت جدارته كرسّامٍ ممتاز بعدة مشاهد متقنة، منها عمله المذهل في أنيمي Noein، حيث حصل على فرصة للعمل رفقة رسامٍ كبير اسمه نوريو ماتسوموتو – Norio Matsumoto، ثم مشهده (الذي يعده هو أفضل مشاهده) في فيلم الفتاة التي قفزت عبر الزمن – The Girl Who Leapt Through Time، مشهدٌ رائع للبطلة تجري وتلحقها الكاميرا وعلى الأرجح قام هو بتمثيل هذا المشهد في الواقع بنفسه كمرجع، ثم جاء أنيمي Birdy.  

أنيمي Birdy محطة كبيرة في مسيرة ريو بل جيل الويب ككل. ارتقى ريو، بحكم ما جمعه من خبرة مهارته العالية، إلى مشرف رسوم عام ومصمم شخصيات في أنيمي Birdy كأول من قدم فلسفة جيل الويب في تصميم الشخصيات. ريو بصفته أوتاكو ورساماً سابقاً لم يواجه صعوبة في تقديم تصاميم شخصيات موي مثيرة، لكنه لم يتجاهل أساسيات تصميم الشخصيات وقدم تصاميم مميزة في Birdy.  

بجانب عمله كمصمم شخصيات، تيمو قدم عزز جانباً آخر من الرسم الرقمي في الصناعة. ما زال الرسم الرقمي لم يلقَ التقبل الكافي بين الكثيرين في الصناعة، خاصة الاستديو القائم على إنتاج Birdy، استديو A-1 Pictures. قام ريو بجمع فريق من الرسامين الرقميين ومنحهم الفرصة للعمل في Birdy. مع الدعم الذي احتاجه ريو، تم تطبيق الرسم الرقمي على نطاق واسع غير مسبوق في Birdy، بأجزاء كبيرة من العمل تم رسمها تماماً ببرنامج الفلاش، خاصة في الجزء الثاني من العمل. تم منح كثيرٍ من الرسامين الرقميين فرصة لإظهار ما بإمكانهم فعله، وقدموا مشاهد مذهلة مثل هذه:  

تعرّف رسامون تقليديون آخرون إلى الفلاش والرسم الرقمي في Birdy، أمثال الرسام تومويوكي نيهو – Tomoyuki Niho. نيهو معروف كأحد أفراد جيل الويب وكانت بدايته في الصناعة في أنيمي Noein، لكن عمله في الموسم الثاني من Birdy سبب ضجة بين متابعي الأنيمي. في الحلقتين السابعة والثانية عشر، اتفق المخرج وريو تيمو على أن يتركا الرسامين يرسمون بحرية تامة دون تصحيح لرسمهم. في هذين الحلقتين كان الرسم متفارقاً من مشهدٍ إلى آخر وخرج عن النمط المألوف للعمل كثيراً، وتم تقديم مشاهد غريبة يشك البعض أن السبب ورائها هو مشاكل الميزانية أو الجدول لكنها ليست شيئاً من ذلك. من تلك المشاهد مشهد نيهو في الحلقة السابعة، وهو من المشاهد التي تم عليها تعديل وتصحيح كثيفان في إصدار الـDVD من الأنيمي.

Yozakura Quartet وأول حلقة فلاشية بالكامل

بعد هذا حصل ريو على فرصة إخراج، في أوفا Yozakura Quartet: Hoshi no Umi. بالطبع، أشرك ريو الكثير من الرسامين الرقميين في هذا العمل. بعد النجاح الذي لاقته هذه الأوفا، تم الإعلان عن مسلسل تلفازي (Yozakura Quartet: Hana no Uta) على رأسه ريو تيمو كمخرج، مصمم شخصيات ومشرف رسوم عام. لمن لا يعرف، العمل في هذه المراكز يتطلب جهداً ووقتاً كبيرين، والجمع بينها يتطلب جهداً هائلاً. لا عجب أن ريو تيمو قال أن عمله الآن يقتصر على الأعمال القصيرة مع الأسف.  

لكن من ناحية أخرى، كون ريو شغل كل هذه المناصب أعطاه حريةً كبيرةً وسلطةً على العمل. جمع ريو مرةً أخرى فريقاً مكوناً من رسّامي الفلاش، لينجز في الحلقة الأولى ما لم يتم إنجازه من قبل – إنتاج حلقةٍ كاملة مرسومة رقميّاً. على عكس تجارب Birdy، هذه الحلقة كانت متقنة ونفذت باحترافية. أثبت ريو بهذه الحلقة قدرة وفاعلية جيل الويب والفلاش في عالم الأنيمي المتلفز. من المثير للإهتمام في هذه الحلقة، على الرغم من أنها كانت فلاشية بالكامل وبلا أوراق، هو استعمال ظرف المشهد فيها. ظرف المشهد يتم استعماله في نقل أوراق المشاهد من مكانٍ إلى آخر، ومع خلو هذه الحلقة من الأوراق إلا أن الرسامين احتاجوا للظرف حتى يتتبعوا عملهم، لأن الظرف تسجل عليه معلومات مهمة مثل رقم المشهد ومدته وحركة الكاميرا فيه وأي معلومات خاصة بخصوصه.  

استعان تيمو في Yozakura برسّام قدير ذي خبرة، ربما الأفضل بين مستعملي الفلاش، وهو شينغو ياماشيتا – Shingo Yamashita. احتاج ريو إلى خبرة شينغو كي يرشد الرسامين الرقميين الصغار نوعاً ما، قليلي الخبرة، ويشرف عليهم. شينغو لم يأتي وحيداً أيضاً، بل جلب معه عدداً من الرسامين:

  • هيروميتسو سيكي (Hiromitsu Seki – 関弘光)
  • شين أوغاوارا (Shin Ogawara – 小笠原真)
  • نوريفومي كوغاي (Norifumi Kugai – 亀澤蘭)
  • شيما كوروياوا (Shima Kuroiawa – 黒岩志摩)
  • كينيتشي فوجيوارا (Kenichi Fujiwara – 藤澤研一)
  • إيسي تاكاهيتو (Ise Takahito – 伊勢鷹人)
  • كاوانو تاتسورو (Kawano Tatsurou – 川野達朗)، مشرف الرسم الرقمي للحلقة
  • 加藤ふみ

معظم هؤلاء الرسامين هم الآن رسامون قديرون في الصناعة، شاركوا في أعمال عديدة تضمنت جيل الويب مثل Yama no Susme، Yoru no Yatterman، Ping Pong the Animation.

قام ريو أيضاً من خلال Yozakura بزرع عملية الإنتاج الرقمية في استديو Tatsunoko. الاستديو، منذ Yozakura، أصبح معروفاً بأعماله ذات الرسم المفعم بالحيوية والألوان. بالإضافة إلى أن هذا الاستديو أصبح من أكبر مستعملي الفلاش في الصناعة، حيث يقدم التابلت مجاناً كأداة للرسم إن كان الرسام يفضله بينما يجب عليك شراؤه بنفسك في أماكن أخرى. ريو جلب ثورة إلى Tatsunoko مع Yozakura أحيت الاستديو، مثلما فعل أفرادٌ آخرون من جيل الويب في استديو Dougakobo بعد Yuruyuri.  

مشهد من Yoru no Yatterman، أحد أنيميات استديو Tatsunoko الحديثة، للرسام ريو ناكامورا. استعمال الفلاش والتابلت واضح.

ريو خرج من استديو Tatsunoko وأنشأ الاستديو الخاص به، Time Note Animation، حيث يصنف نفسه كرسام (Illustrator) ورسام تحريك (Animator). كما قلت يقتصر عمله الآن على الأعمال القصيرة بعيداً عن الأنيمي المتلفز، وأقرب أعماله كان ME! ME! ME! ضمن مبادرة Animator Expo لـهيدياكي أنو. ريو تيمو ما زال من داعمي الرسم الرقمي في الصناعة، ويعطي دروساً بين حين وآخر في الرسم الرقمي.  

مزايا الرسم الرقمي وعيوبه

بعد هذه المقدمة الطويلة للرسم الرقمي وبداياته مع ريو تيمو، حان الوقت حتى أتكلم بالتفصيل عن التقنية ذاتها، وهي الرسم بالفلاش.

كون مستعملي هذه التقنية هم شبّان لم يتلقّوا التعليم والتدريب المناسبين ليكونوا رسامي مفتاحيّات، تعلموا الرسم بذاتهم وابتكروا أساليبهم الخاصة أو قلّدوا أساليب رسامين آخرين، غالباً ما تظهر مشاهد رسامي جيل الويب بطريقة مميزة، حيوية ومبهرجة لكن غير متقنة تماماً بالنسبة لأساسيات التحريك. إلا أن هذا ما يجعل هؤلاء الرسامين أشخاصاً مناسبين عند الحاجة – جعل المشهد بارزاً و”برّاقاً”.

على الرغم من استعمال أجهزة مثل التابلت والكمبيوتر في الرسم الرقمي، إلا أنها مجرد أدوات رسم وليست أدوات تحريك. أعني أنه لا يتم رسم للبينيّات في الاستديو. طوال تلك الفترة، كانت أعمال كيوتو أنيميشن مقتصرة على مرحلتي التلوين والبينيّات تلقائياً مثل برامج رسم أخرى، بل يقوم الرسام بكل هذا. للبينيّات في الاستديو. طوال تلك الفترة، كانت أعمال كيوتو أنيميشن مقتصرة على مرحلتي التلوين والبينيّات التلقائيّة تنتج حركة آلية وسلسلة بغرابة، لكن هذا لا يحدث هنا. التوقيت والتحريك في المشاهد عامةً نقطة فارقة بين الرسم اليدوي والرقمي، ففي الرسم الرقمي يكون لدى الرسام خط زمني يعرض له جميع الإطارات المرسومة في المشهد ممّا يمكنه من استعراض توقيت الحركة والتعديل عليها بسهولة، الرسم الرقمي عموماً يساعد الرسام على التركيز على الحركة واستعراضها. هذا الأمر غير ممكنٍ في الرسم اليدوي، ويعاني معه الرسامون المبتدئون خاصةً. هذه الخاصية أيضاً تسهل على رسامي الفلاش استعمال حركات كاميرا معقدة، لهذا كثيراً ما نرى رسامي الصور المتحركة يتقنون حركات الكاميرا المعقدة في مشاهدهم والكثير من الخلفيات المتحركة.

الفلاش يمكّنك أيضاً من حجب أو إظهار أي طبقة من طبقات الرسم من على الإطار بنقرة زر، بينما يدويّاً يجب عليك الموازنة بين هذه الطبقات. لا يتم استغلال هذا الأمر كثيراً، لكنها مكّنت رسامين مثل BahiJD من رسم مشاهد ملئية بالطبقات في Space Dandy بطريقة مميزة.  

ميزة أخرى من ميزات الرسم الرقمي هي الرسم عديم الحدود. حتى يتم تلوين الأنيمي بالكمبيوتر يجب أن تكون الشخصيات مرسومة بحدود كاملة مغلقة حتى لا تتسرب الألوان إلى باقي الإطار (مثل برنامج الرسام). هذا أمر يمكن تجاوزه عندما ترسم بالفلاش حيث يمكنك الرسم باللون مباشرة كالفرشاة، وهو أمر يستعمله رسامو الصور المتحركة كثيراً حتى ينتجوا رسماً خفيف الحدود أو حتى بدونها. هذا أمرٌ مناسب لرسم الموائع والمؤثرات مثل الأشعة. ونظراً لعدم الحاجة إلى رسم الحدود، هذا النوع من الرسم يتطلب وقتاً أقل مما يمكن الرسام من التركيز على جودة التحريك أكثر.  

رسومات مفتاحيّة من Birdy بلا حدود

ختامية أنيمي Shin Sekai Yori من رسم شينغو ياماشيتا ربما أفضل عملٍ استعمال هذه الخاصية الخاصّة بالفلاش. هذا الأسلوب عديم الحدود الذي يبدو كالطّلاء أسلوبٌ جديد جلبه الرسامون الرقميّون إلى الصناعة.  

من ناحية أخرى، الرسم بالفلاش يقيدك بأمور معينة. أمور مثل التحكم بثخونة الخط وخشونته، أمور مثل التي يفعلها يوشيميتشي كاميدا بالفرشاة الثخينة لن يستطيع الرسامون الرقميّون فعلها. التحكم بخشوونة الخط والظلال ونعومتهما، أمور تضيف عمقاً وقوةً للمشهد مفقودين في التابلت والكمبيوتر. التقنية تتطور دائماً، لكنها لن تصل للتحكم الكامل لدى الرسام اليدوي.

ذكرت أن سهولة تعديل واستعراض التحريك والتوقيت للمشهد كاملاً من مميزات الرسم الرقمي، إلا أنها قد تظهر بعض العادات السيئة لدى الرسامين والمبتدئين خاصة. هذه الميزة تسمح للرسامين بتعديل الحركة بسهولة، لدرجة جعل الحركة مبالغاً بها، على حساب الدقة والاتقان لأساسيات التحريك. هذا ينتج مشهداً أكثر حيوية في الحركة لكن بلا تأثير وإتقان.

من الصعب تمييز المشاهد المرسومة بالفلاش غالباً لكنها معظم الأحيان تتسم بخطوط متماثلة رفيعة وتكون مفعمة بالألوان، والأمر كذلك في تصاميم الشخصيات. جيل الويب ومستعملو الفلاش نشيطون في العديد من الأنيميات والاستديوهات مؤخراً، والعديد من الرسامين القدامى بدؤوا بالانتقال إلى الفلاش والتعلم عليه. أبرز رسامي الصناعة أمثال يوتاكا ناكامورا – Yutaka Nakamura وكين أوتسوكا – Ken Otsuka أعلنوا انتقالهم للفلاش والتابلت، وإعلانهم هذا يدفع رسامين كثراً آخرين للإنتقال، كما أن استديوهات كثيرة بدأت تدشّن فروع لها مخصصة للرسم الرقمي أو التحويل إليه، وربما أحدث مثال هو استديو XEBEC وقبله استديو ماساكي يواسا Science Saru (بعض استعمالات الاستديو للفلاش). الفلاش والتابلت هما الوجه الحديث للصناعة، وربما يطيحان بالورق الذي تم استعماله منذ بداية الصناعة بأشكال مختلفة.

استديو كولوريدو والرقمية الكاملة

موقع استديو كولوريدو

لكن الانتقال من الورق إلى التابلت وحده ليس كافياً، يوجد رسّامو فلاش كثر الآن وسينتهي الأمر برسوماتهم على الورق لأنها تطبع حتى يراجعها مشرف الرسوم (هذا إن لم يكن يستعمل التابلت، لكن معظم المشرفين يستعملون الورق). المثير للسخرية أن هذه الأوراق المطبوعة سيتم مسحها مرةً أخرى وتحويلها لصيغة رقمية. لهذا التغيير والفائدة ستحصل عند التحول الكامل إلى الوسط الرقمي، مثلما يهدف إليه استديو كولوريدو – Colorido.  

استديو كولوريدو استديو صغير وحديث نوعاً ما، لكن لديه قدرات كبيرة يمكنك رؤيتها في الحلقة القصيرة التي أنتجوها في Animator Expo. عمل كولوريدو مركّزٌ على الفيديوهات القصيرة، مثل الإعلانات والحلقات القصيرة، لكن قاموا بإنتاج فيلم 27 دقيقة اسمه Taifuu no Noruda. أعتقد أن افتتاحية أنيميات فقرة noitaminA (مثل Kabaneri of the Iron Fortress) من الأشياء التي نعرفها جميعاً، والتي قام بها استديو كولوريدو.  

استديو كولوريدو يطمح للتحول الكامل إلى الرقمية في الصناعة في كل خطواتها، وهو ما حاولوا تنفيذه في عديدٍ من المشاريع مثل Noruda. واجه كولوريدو العديد من الصعوبات في Noruda، منها الحاجة إلى العمل مع فرق عمل خارجية لا تتبع الأسلوب الرقمي، ومشاكل أخرى بسبب عيوب في البرامج المستعملة.

البرنامج الأكثر استعمالاً في الرسم الرقمي هو STYLOS، وعلى الرغم من احتوائه على خاصية ورقة زمن (Time Sheet) إلا أن كولوريدو استعملوا أوراق زمن حقيقية، كما استعملوا ظروف المشهد أيضاً كما حصل في Yozakura. أمرٌ آخر يسبب فقداناً للجودة هو التحويل من صيغة إلى أخرى. هناك الكثير من البرامج المستعملة في عملية الإنتاج الرقمية عموماً، منها Clip Studio Paint و STYLOS وغيرهما، وكل برنامج له صيغته الخاصة، والتحويل من صيغة إلى أخرى يسبب فقدان بعض الجودة بالطبع.  

لكن قد يكون ما ذكرته في الفقرة السابقة هي كل عيوب الإنتاج الرقمي، بينما لم أتكلم عن فوائده بعد. نظراً لطبيعة الصناعة بكون معظم العاملين حرّين، وكثيرٌ منهم يعملون في بيوتهم، ممّا يدفع مساعدي الإنتاج إلى الذهاب إلى بيوتهم بواسطة السيارة لجلب ما رسموه أو عملوا عليه بشكلٍ عام. هذا يسبب هدراً في الوقت والمال للاستديو، وهو أمرٌ يمكن تفاديه إن تحولت الصناعة إلى الوسط الرقمي، حيث يتم تناقل المواد ببساطة عبر الإنترنت بالرفع والتحميل.  

تحدثت سابقاً عن انتقال الاستديوهات لأوراق أكبر لرفع جودة الحلقة النهائية للأنيمي المتلفز. معظم الأنيميات المتلفزة حالياً جودتها النهائية تكون 720px بسبب الورق المستعمل في الرسم، وهو ما يسبب نسخة رديئة عند محاولة رفع الجودة إلى 1080px للبلو راي وربما مستقبلاً إلى 4K. لكن مع الانتقال إلى طريقة الإنتاج الرقمية ستتخلص الصناعة من هذه القيود ويصبح التحكم بالجودة أكثر مرونة وسهولة، خاصةً لو تم حفظ ملفات الإنتاج بصيغة Vector.  

https://twitter.com/alex_swak/status/706437833024786433

منذ سبعينات القرن الماضي بدأت برامج لرسم للبينيّات في الاستديو. طوال تلك الفترة، كانت أعمال كيوتو أنيميشن مقتصرة على مرحلتي التلوين والبينيّات تلقائيّاً بالظهور. هذه البرامج حتى زمنٍ طويل لم تقارب جودة رسم للبينيّات في الاستديو. طوال تلك الفترة، كانت أعمال كيوتو أنيميشن مقتصرة على مرحلتي التلوين والبينيّات يدويّاً وكانت تقدم نتيجةً “آلية” مملة وسيئة. لكن مؤخراً وصلت هذه التقنية إلى مستويات مبهرة وبدأت تشبه العمل اليدوي حتى أنك قد لا تميز بين للبينيّات في الاستديو. طوال تلك الفترة، كانت أعمال كيوتو أنيميشن مقتصرة على مرحلتي التلوين والبينيّات اليدوية وبين تلك المنتجة رقميّاً، وأبرز برنامج للبينيّات في الاستديو. طوال تلك الفترة، كانت أعمال كيوتو أنيميشن مقتصرة على مرحلتي التلوين وللبينيّات الآلية هو CACANI .CACANI وصل لمستوىً مبهر وأصبح بإمكانه تقديم أعمال كهذه.  

الوقت الذي سيوفّره CACANI في رسم البينيّات، دون ذكر الوقت الذي يوفّره الرسم بالتابلت بدلاً من الورق (حيث قال كثيرٌ ممّن انتقلوا إلى التابلت أن سرعتهم في الرسم ارتفعت)، في صناعةٍ تواجه مشاكل ضيق الوقت ليسا بالشيء البسيط، وربما أهم ميزةٍ للانتقال إلى نظام إنتاجٍ رقميٍّ بالكامل هي توفير الوقت.  

خاتمة

الصناعة الآن في مرحلة انتقالية. ظهر الجيل الرقمي ورسّامو الصور المتحركة جالبين معهم التابلت والرسم الرقمي إلى الصناعة، مهددين أسلوب الصناعة التقليدي المعتمد على الورق. ما زال الوقت باكراً على أن نرى انتقالاً تامّاً للتابلت، مواجِهاً رفضاً من قبل كثيرين في الصناعة لتشبثهم بالأسلوب التقليدي، لكن بدأت الكثير من الاستديوهات بتبنّي الرسم الرقمي وأصبح تدخل التقنية والكمبيوتر أكبر فأكبر، لذا قد يكون التغيير قادماً لكن سيحتاج وقتاً طويلاً. الأسلوب التقليدي، على الرغم من عيوبه، إلا أن له بضع مميزاتٍ وهو ما يميّز صناعة الأنيمي بين صناعات الرسوم المتحركة الأخرى. وتقنية التابلت، رغم تطورها الدائم ومميزاتها، إلا أننا سنفقد “لمسة” الورق، كما فقدنا لمسة السيلولويد والتلوين اليدوي مطلع الألفية.

أردت استعراض كيف تطورت صناعة الأنيمي، وضعها الحالي، وكيف قد تتطور مستقبلاً. أتمنى أن أكون قد وفقت في هذا، وشكراً لمن أكمل قراءة هذه التدوينة الطويلة. سأختم بتعليق المخرج رينتارو – Rintaro حيال التقنية والثري دي، حوالي سنة 2002.