كيوتو أنيميشن

كيوتو أنيميشن

بسم الله الرحمن الرحيم

أعلم أنني لم أقم بكتابة أي مقالة(طويلة) من فترة، لكنّي كنت أحضّر لكتابة هذه التدوينة المميزة، لأنها عن أحد أكبر الاستديوهات في الصناعة حالياً وتحتاج إعداداً خاصّاً. لطالما كنت معجباً بأعمال كيوتو أنيميشن(كيوأني) وبأسلوبهم المميز، ولطالما كنت أنوي كتابة هذه التدوينة لكن أجلتها حتى أكتب تدوينات أكثر أهميةً منها، إلا أنني أظن الوقت قد حان حتى أكتب هذه التدوينة عن كيوأني وما الذي يميزهم، وهو موضوع لا أظن أن أحداً قد تطرق إليه بين مقدمي المحتوى العرب.

التأسيس والبدايات (1991 – 1994)

يوكو هاتّا كانت ملوّنة (عملية التلوين كانت يدوية آنذاك) تعمل لدى استديو Mushi Production. انتقلت يوكو إلى مدينة كيوتو بعد زواجها بـهيدياكي هاتّا، وقاما بتأسيس استديو خاصٍّ بهما يقتصر على القيام بالتلوين، وأسمياه “استديو أنيمي كيوتو”. بعد أربعة سنوات، تحديداً عام 1985، تم تسجيل الاستديو كشركة (بالتحديد شركة محدودة) بعد تغيير الاسم إلى الاسم الحالي، كيوتو أنيميشن (京都アニメーション)، وتعيين هيدياكي كرئيس للاستديو، ويوكو كمديرة مشاريع، وما زالا يعملان في الاستديو حتى الآن. بعد عامٍ من هذا، تم تأسيس قسم للبينيّات في الاستديو. طوال تلك الفترة، كانت أعمال كيوتو أنيميشن مقتصرة على مرحلتي التلوين والبينيّات، وهما مرحلتان بسيطتان في عملية إنتاج الأنيمي ضمن مشاريع كبيرة لاستديوهات مثل Pierrot وغيره.  

من فيلم (Kimagure Orange Road: Ano Hi ni Kaerita(1988. كيوتو مدرج كأحد الاستديوهات التي عملت في التلوين، ويوكو بنفسها شاركت بالعمل

مرحلة المتعاقد الفرعي (1995 – 2002)

منتصف التسعينات، تم تأسيس عدة أقسام جديدة للإخراج (演出)، الخلفيات (背景)، التصوير، الرسم المفتاحي، الإنهاء. إضافة للأقسام الموجودة سابقاً، أصبح بإمكان الاستديو الآن إنتاج حلقات كاملة وليس مهمة بسيطة كالتلوين فقط. بالطبع، ما زال الاستديو، حتى هذه اللحظة، أصغر من أن يقوم بمشاريع كاملة مثل المسلسلات الموسمية، لكن بدأ الاستديو الآن بالعمل كمتعاقد فرعي. الفترة التي كان يقوم بها كيوأني بهذه الأعمال كانت مهمة، حيث ساهمت في تكوين أسلوب وهوية الاستديو، إما بانضمام أسماء موهوبة إلى الاستديو، أو بتطوير المواهب الجديدة وتدريبها تحت إشراف المواهب الكبيرة في الاستديو، أو بالتعاون مع مخرجين كبار آنذاك أو حتى مخرجين أصبح لهم اسمهم في الصناعة بعد عدة سنين من عملهم الذي شارك فيه كيوأني. أظن أنه من الواجب الحديث عن بعضٍ من هذه الأعمال وكيف أثرت بـالاستديو بشكلٍ مختصر.

على الرغم من أن كيوأني عملوا على الكثير من الحلقات من أعمال متعددة، ربما أكثرها كانت في Inuyasha (حوالي 40 حلقة)، لكن قليل منها جديرٌ بالذكر، أولها الحلقات التي عمل عليها من أنيمي Haré+Guu. التعاون مع المخرج تسوتومو ميزوشيما – Tsutomu Mizuashima (مخرج Shirobako, Another) واستديو Shin-Ei Doga كان له تأثير كبير على كيوتو خاصةً من ناحية الأسلوب الكوميدي للاستديو، وهو واضح لأي شخص يتابع العمل ويقارنه مع أعمال كيوتو الجديدة. وهناك أيضاً الحلقة السابعة من Samurai Girl Real Bout High School مع المخرج Shinichi Watanabe التي كان المخضرم Yoshiji Kigami أبرز رجالاتها. العمل الذي قدمه كيغامي في تلك الحلقة تأثر به بعض من صغار الاستديو الآنذاك، مثل Chiyoko Ueno وTaichi Ishidate، اللذان يعدّان من أهم العاملين في الاستديو الآن بجانب كيغامي الذي ما زال موجوداً. هناك العديد من الحلقات البارزة الأخرى مثل الحلقة الثالثة من Soul Taker مع المخرج Akiyuki Shinbo أو العشرين من Tenshi ni Narumon مع المخرج Mamoru Hosoda، لكن أكتفي بهذا القدر.

من أنيمي Haré+Guu، التشابه في الأسلوب واضح. المصدر

مرحلة المتعاقد العام (2002 – الآن)

أصبح كيوتو أنيميشن أكبر من أي وقتٍ مضى، ويطمح للانتقال إلى مشاريع أكبر من مجرد حلقات فردية. جاءت أول فرصة للعمل كمتعاقد عام عند حصول سلسلة The Soul Taker على أوفا عام 2002، وباعتبار أن كيوأني قدم عملاً جيداً في الحلقة التي عمل عليها في المسلسل، تم التعاقد معهم بجانب تاتسونوكو – Tatsunoko (الاستديو الذي أنتج المسلسل)، وقاموا بإنتاج أول حلقتين من أصل خمس فقط. إلا أن العمل الذي سيجلب الشهرة لكيوأني قد أتى بعدها بسنة، في 2003، عندما وجدت كادوكاوا – Kadokawa، التي كانت تبحث عن استديو لينتج مسلسلاً جديداً للسلسلة الشهيرة !Full Metal Panic، ضالتها في كيوتو أنيميشن. احتاج كيوأني إلى مساعدة بسيطة من تاتسونوكو لكن ليس كمتعاقدٍ عام. العمل لاقى نجاحاً وإعجاباً بين متابعي السلسلة، إلا أن كيوأني لم يحصل على أي شيء من الأرباح لأنهم لم يكونوا ضمن لجنة الإنتاج.

لجنة الإنتاج ومركز كيوأني فيها جانبٌ مهم يعكس الكثير عن تطور الاستديو. يجب التنويه إلى أن لجنة الإنتاج ترتَّب الشركات فيها حسب مساهمة كل شركة في المشروع، سواءً المساهمة المادية بالمال، أو لكون الشركة صاحبة حقوق العمل أو ما شابه، والشركة الأعلى في الترتيب تحصل على نسبة أكبر من الأرباح.

في العام ذاته، قام كيوأني بإنتاج أوفا من حلقتين اسمها Munto كنوعٍ من الدعاية للاستديو على نفقتهم الخاصة. هذه الأوفا بالإضافة إلى عمل كيوأني السابق على فل ميتل جعل منتجين من TBS، Pony Canyon، وMovic يرغبون بالعمل معهم لإنتاج مسلسل تلفزيوني اسمه AIR. هذه المرة، شارك كيوأني في دفع تكاليف المشروع فحصلوا على مكان في لجنة الإنتاج، وبعد نجاح العمل حصلوا على نسبةٍ من الأرباح. فلنلقِ نظرةً على لجنة الإنتاج AIR:

  • TBS
  • Pony Canyon
  • Movic
  • Kyoto Animation

ونظراً لمستوى هذه الأعمال ونجاحها عادت كادوكاوا لتتعاقد مع كيوأني للعمل على أول مسلسل من سلسلة هاروهي – Haruhi، وهكذا لعشر سنوات تقريباً استمر كيوأني يتناوب على إنتاج أعمال TBS وكادوكاوا. أعمال TBS الأخرى (!Kanon, Clannad, K-On) كانت بلجنة إنتاج مشابهة لتلك التي في AIR، بينما أعمال كادوكاوا (Haruhi, Lucky Star, Nichijou, Hyouka) كانت بلجنة إنتاج كهذه أو مشابهة لها:

  • Kadokawa Shoten
  • Kadokawa Pictures
  • Kyoto Animation
  • KlockWorx

العديد من هذه الأعمال حققت نجاحاً، واسم كيوأني انتشر في أوساط الصناعة ومعجبي الأنيمي عامةً، إلا ان الاستديو كان له طموحٌ أكبر. عام 2009، أعلن الاستديو عن مسابقة في ثلاث فئات: كتابة السيناريو، الروايات، والمانجا، على أن يتم نشر الأعمال الفائزة أو حتى اقتباسها إلى أنيميات. هناك فئتان للجوائز: الجائزة الكبرى، وهي مليون ين، والجائزة التشجيعية، وهي 100 ألف ين. لم يتم تحديد فائزٍ بالجائزة الكبرى ذلك العام لكن مُنحت خمس جوائز تشجيعية لخمس أعمال من ضمنها !Chuunibyou Demo Koi ga Shitai. تلك المسابقة كانت أول خطوة في تغيير مستقبل الاستديو، حيث كان الهدف الأساسي منها امتلاك العديد من الأعمال الجيدة التي يمكن اقتباسها في أي وقت. وهكذا، بدلاً من أن يتم التعاقد مع كيوتو لينتج أعمالاً لا يملكها، بدأ الاستديو بإنتاج واقتباس أعماله الخاصة. أول عمل اقتبسه كيوتو من روايةٍ خاصةٍ به هو Chuunibyou، وكانت لجنة الإنتاج كالآتي:

  • Kyoto Animtion
  • Pony Canyon
  • Lantis
  • TBS

الفرق واضح عند مقارنة هذه اللجنة باللجان الأخرى، فبدلاً من أن يكون كيوتو الثالث أو الرابع، هو الآن الأول، وهذا لأنه صاحب الحقوق وناشر العمل المقتبس. استمرت المسابقة في عام 2010 بجائزتي تشجيع لـKyoukai no Kanata و!High Speed، وتم اقتباسهما إلى أنيمي. وفي عام 2011 أنشأ كيوأني داراً للنشر خاصةً بالاستديو اسمها (KA Esuma Bunko(KAエスマ文庫 وتم من خلالها نشر بعضٍ من الأعمال الفائزة في عامي 2009 و2010، إلا أن لا جوائز قد مُنحت ذلك العام. وفي عام 2012 حصلت ثلاثة أعمال على جوائز تشجيعية من ضمنها Phantom World التي تم اقتباسها إلى أنيمي. يبدو واضحاً الآن أن معايير حكام المسابقة مرتفعة، ولا يتم منح الجوائز لمجرد منحها، بل عن استحقاق. ثم أتى العمل الوحيد الذي حصل على الجائزة الكبرى حتى الآن، Violet Evergarden، عام 2013، وتم الإعلان عن اقتباسه إلى أنيمي، بالإضافة إلى حصول عملين على الجائزة التشجيعية لكن لم يتم اقتباسهما. وأخيراً لا فائزين في عامي 2014 و2015.

مع Chuunibyou بدأ كيوتو سلسلة أعماله المقتبسة من روايات يملكها، أنتج فيها كيوأني: Tamako Market, Free!, Kyoukai no Kanata, وChuunibyou بالطبع. كلها كانت بلجان مشابهة لتلك التي في Chuunibyou، وسياسة كيوأني هذه ما زالت مستمرةً حتى الآن، إلا أن هذه السلسلة توقفت في عامي 2014 و2015 لإنتاج عملين ليسا من نشر كيوأني، إلا أن إنتاجهما سيكون مختلفاً عن أعمال كيوأني السابقة التي لم ينشرها.

أول هذه الأعمال هو Amagi Brilliant Park. الرواية كانت من تأليف شوجي غاتو – Shoji Gatou، مؤلف سلسلة Full Metal Panic وصديق ياسوهيرو تاكيموتو، أحد كبار المخرجين في كيوأني. تاكيموتو أراد اقتباس رواية صديقه الجديدة، لكن الناشر، كادوكاوا، لم يعد يموّل مشاريع أنيميات موسمٍ واحد. طلب هيدياكي هاتّا وتاكيشي ياسودا (منتج من كادوكاوا) من منتج TBS ناكاياما المساعدة في تمويل المشروع ووافق. هذا أول عمل مشترك بين كادوكاوا وTBS وربما الأخير، وكان بقيادة كيوأني. تكونت لجنة الإنتاج وكانت كالآتي:

  • Kadokawa
  • TBS
  • Kyoto Animation

العمل الثاني هو Hibike! Euphonium. الرواية جذبت اهتمام منتِجَين في كيوأني، إيهارو أوهاشي وريري سينامي. قاما بتقديم طلب إلى ناشر الرواية، Takarajimasha، وتم منحهما الإذن لإنتاج أنيمي للرواية. تم تشكيل لجنة إنتاج وكانت كالآتي:

  • Kyoto Animation
  • Pony Canyon
  • Lantis
  • Rakuonsha

بالرغم من أن كيوأني لا يملك حقوق الرواية ولا ينشرها، مما يعني أن أرباحه أقل، لكن أرباحه أكثر من أعماله السابقة منتصف العقد الأول من الألفية. حتى لو لم يقتبس كيوأني أحد أعماله الخاصة، فهو يقود لجان الإنتاج ويختار الأعمال التي يريد اقتباسها بنفسه. من المذهل كيف تطور الاستديو في أقل من أربعين سنة، وخلف هذا النجاح الذي حققه تكمن منظومة رائعة، وهي ما سأتحدث عنه في الفقرة القادمة.

المنظومة

لكن لماذا كل هذا الحديث عن كيوأني؟ يوجد العديد من الاستديوهات المميزة في الصناعة مثل Bones, Toei, Production I. G…. فلماذا الحديث هذه التدوينة تركز على كيوأني تحديداً؟ أكثر ما يميز الاستديو هذا، برأيي أنا على الأقل، هو التنظيم والجدولة الممتازان للاستديو. منذ كان كيوأني يعمل على عمليات بسيطة مثل التلوين في الثمانينات وللاستديو سمعة جيدة في الصناعة بكونه أحد الاستديوهات التي تملك تنظيماً وجدولاً جيدين، مما يمكنهم من تقديم عملٍ جيد. هذا الأمر لم يتغير البتّة حتى هذه اللحظة، أكبر مثالٌ على هذا هو عدد العاملين على الحلقات المتلفزة التي ينتجها كيوأني. بينما تعاني الكثير من الأعمال كل موسم من سوء الجدولة، مما يسبب زيادة ملحوظة في عدد العاملين على الحلقة بالأخص من الرسامين المفتاحيّين ومشرفي الرسوم (وقت أضيق = أشخاص أكثر لإنهاء العمل)، بأعداد تصل إلى 20 و30 رسّاماً مفتاحيّاً للحلقة الأولى مع ست مشرفي الرسوم، لا يزيد عدد الرسامين المفتاحيّين في حلقات منتصف الموسم مثل السادسة أو السابعة من أعمال كيوأني عن سبع رسامين.  

عدد الرسامين في الحلقة السادسة من Hibike! Euphonium S2 هو سبعة، بينما في الحلقة الأولى من Ace Attorney كان 19، الفرق كبير  

أسماء الشارة (Credits) النظيفة وعدد العاملين القليل ما هو إلا نتاج سياسة مذهلة يطبقها كيوأني، وهي سياسة “كل شيء ينفذ داخل الاستديو” (In-house). هذه السياسة يطبقها كيوأني في عدة أمور أولها العاملون وطاقم الاستديو. كما هو معروف، معظم العاملين في الصناعة حرّون (Freelancers)، قد يتغير الطاقم بشكلٍ شبه تام بين مشروعين للاستديو ذاته. لكن في حالة كيوأني فالأمر مختلف، إذ أن الأغلبية العظمى من العاملين في الاستديو يعملون بعقد يربطهم باستديو واحد فقط وهو كيوأني، هم متفرغون للعمل على مشاريعه فقط ولا يعملون على مشاريع لاستديوهات أخرى. هذا يعطي أريحيةً ومرونةً في الجدول نظراً لأن كل الطاقم متفرغ للمشروع الذي يعمل عليه الاستديو حالياً، مع سياسة كيوأني الأخرى بعدم إنتاج الكثير من الأعمال في الوقت ذاته(أنيمي متلفز واحد أو اثنان كحد أقصى في السنة)، يمنح الطاقم وقتاً طويلاً لإنهاء عملهم على أكمل وجه، مما ينتج أعمالاً بجودة عالية. وهذه نقطة أخرى أحاول إيصالها: الجودة العالية في أعمال كيوأني ليست بسبب ميزانية عالية أو ما شابه، السبب الأهم في هذا هو الجدول الممتاز والسياسة المتبعة في الاستديو. من غير الغريب أن تسمع عن انتهاء إنتاج أعمال كيوأني قبل أسابيع أو شهور من عرضها، بينما يستمر العمل على مشاريع أخرى حتى اللحظة الأخيرة.

الجانب الآخر من سياسة تنفيذ كل شيءٍ داخل الاستديو يتعلق بمختلف نواحي الإنتاج الأخرى. لا يقوم كيوأني بتصدير (Outsource) الحلقات أبداً إلى متعاقدين فرعيّين، كما يقوم بكل عمليات الإنتاج الأخرى داخل الاستديو في أقسام مخصصة لكل عملية. هناك العديد من العمليات التي من الشائع إيكالها إلى استديوهات خارجية، مثل الخلفيات والبينيّات أو حتى المؤثرات، حيث توجد استديوهات مخصصة لهذه الأمور، لكن كيوأني ينجزها عادةً داخل الاستديو. بالطبع، تحدث حالاتٌ يتم فيها تصدير بعض الأمور إلى استديوهات خارجية، مثل تصدير الخلفيات إلى استديو Anime Kobo Basara نظراً للعلاقات بين الاستديوهين أو تصدير بعضٍ من عمل البينيّات في الحلقات الصعبة، لكن أتكلم بشكلٍ عام.

هذه السياسة لا تنتج استقراراً في المشاريع وجودةً عاليةً فحسب، بل توفر بيئةً مريحة وممتازة للعاملين في الاستديو، تمكن المبتدئين خاصةً من التطور والتعلم. وجود الأقسام كلها في مكانٍ واحد يعزز ويسهل التواصل بين العاملين، فإن أشكل على رسام المفتاحيّات أمرٌ ما يمكنه سؤال المخرج/مشرف الرسوم فوراً. هذا أمرٌ مريحٌ كثيراً للمبتدئين لوجود العديد من الخبرات الكبيرة حولهم، كما أنه يزيد الوحدة في أسلوب العاملين كما لو أنهم كيانٌ واحد، مثل العلاقة القوية بين ناوكو يامادا – Naoko Yamada ويوكيكو هوريغوتشي – Yukiko Horiguchi. وهذه السياسة أيضاً تمنح المخرج ترسانة جاهزة من العاملين الماهرين في مختلف المجالات، فإن احتاج لرسّام مفتاحي معين لتنفيذ فكرة خطرت على باله لن يضطر إلى التخلي عن فكرته إن وجد هذا الرسام مشغولاً بمشروعٍ آخر، فكل الرسامين هنا مكرسون للاستديو. يوجد حوالي 70 رسّاماً مفتاحيّاً في مختلف فروع كيوأني الآن، هذا جدول بأسمائهم وبعض المعلومات عنهم. كما أن هذه السياسة هي السبب الأول في تشابه الأسلوب والمظهر العام لأعمال كيوأني، فالطاقم هو ذاته لا يتغير ويعملون بانسجام وتفاهم، وحتى لو كان هناك تميزات فردية فتأثير العاملين الآخرين في الاستديو خاصة القدامى ما زال موجوداً، مثل تأثير كيغامي على إيشيداتي أو تاتسويا إيشيهارا – Tatsuya Ishihara على يامادا. تصاميم شخصيات كيوأني مثلاً تختلف من عمل لآخر بالطبع لكن لها أسلوب رئيسي لا تحيد عنه، العيون الكبيرة المستديرة وطريقة رسم البؤبؤ والوجه الشبه دائري، وينسب ابتكار فلسفة كيوأني هذه في التصميم إلى يوكيكو على الأرجح. يمكننا رؤية تميز أسلوب تصاميم فوتوشي نيشيا – Futoshi Nishiya في فيلم Koe no Katachi (مع الأخذ بعين الاعتبار أنها مبنية على تصاميم المانجا) وهي في نفس الوقت مشابهة لتصاميم كيوأني الأخرى.

في بيئة كهذه يمكن لمبتدئ مثل تايتشي إيشيداتي – Taichi Ishidate، الذي تم تصحيح كل إطار مفتاحي رسمه في عمله الأول عام 2002، أن يتطور ليقدم عملاً مدهشاً كهذا الذي في الأسفل في عام 2015 ويصبح أحد أعمدة الاستديو الآن. المواهب الشابة وتدريبها أمثلته كثيرة في كيوأني، هناك أيضاً ناوكو يامادا التي، بعد انضمامها للاستديو عام 2004، أصبحت الآن أبرز مخرجي الاستديو. العديد من المواهب الأخرى نضجت في الاستديو ثم خرجت لتعمل في أماكن أخرى، العديد من عاملي استديو أورديت – Ordet، نوريكو تاكاو – Noriko Takao التي كانت رسامة بينيّات في Inuyasha حتى أصبحت مخرجة ماهرة وتركت كيوأني بعد الموسم الثاني من !K-ON، تعمل حالياً مع استديو A-1 على ما أظن. الحديث عن المواهب التي نمت وتعلمت في كيوأني يحتاج تدوينةً أخرى منفصلة لست بصدد كتابتها الآن.

هناك جانبٌ مهم يجب أن لا نغفل عنه، وهو التكلفة. السبب الأبرز لاتباع سياسة العمل الحر في الصناعة هو خفض التكاليف، إذ أن توظيف الطاقم بعقود أمرٌ أكثر كلفة بكثير. سياسة كيوأني هذه ليست ممكنة لولا نجاحه واستقراره المالي. اعتلاء كيوأني قمة لجنة الإنتاج يعني حصوله على نسبةٍ أكبر من الأرباح، لكنه في الوقت ذاته أكثر من يدفع لتمويل المشروع، مخاطرة أكبر لكن الربح أكبر. لكن عندما يقتبس كيوأني أعماله الخاصة فالأمر له أبعاد عديدة أخرى غير ربح الأنيمي من عدمه (بالأقراص)، فبما أن كيوأني هو صاحب حقوق الرواية وناشرها، فهو المستفيد الأكبر من مبيعات الرواية ومنتجاتها. عندما يتم اقتباس رواية أو مانجا ما فهذا الأمر يزيد مبيعاتها بشكلٍ مذهل، لدرجة قد تدفع بعض الناشرين لتمويل مشاريع اقتباسات لمجرد الترويج وزيادة مبيعات ما ينشرونه، والأمر ذاته ينطبق على المنتجات المتعلقة بالأنيمي عامةً. هنالك العديد من الطرق التي تحقق بها الشركات المنتجة للأنيمي الربح وهذه قصة طويلة (تحدثت عنها هنا)، لكن أبرز مصادر الربح هي الأقراص، المنتجات (ألعاب وفيغرات…)، والمادة الأصل إن وجدت، وفي مشروع مثل اقتباس !Chuunibyou Demo Koi ga Shitai، كيوأني يحقق الربح من المصادر الثلاث المذكورة. المخاطرة كانت أكبر، لكن كيوأني ربح الكثير في النهاية. كما أن امتلاك داراً للنشر يعني أنه يوجد مادة أصل يمكن اقتباسها في أي وقت، بدلاً من التنافس للحصول على أعمال ناشرين آخرين مثلما تفعل بعض الاستديوهات الأخرى، وهذا السبب في إفلاس Manglobe- أنهم لم يحصلوا على مشاريع كافية.

فروع الاستديو

لكل استديو كبير عدة مباني أو فروع تقسم بينها بعض عمليات الإنتاج، وفي بعض الحالات تتولى هذه الفروع مشاريع كاملة لوحدها، وكيوأني ليس مستثنىً من هذا. لدى كيوأني ست مباني تؤدي أدوار محددة موزعة في مقاطعتي كيوتو وأوساكا، على عكس معظم الاستديوهات الأخرى التي تتركز العاصمة طوكيو (موقع كيوأني كان السبب الرئيسي في تفضيل بعض الأشخاص الانضمام له). أول هذه المباني هو المكتب الرئيسي، كان الاستديو الأول لكن يتم استعماله الآن للأمور الإدارية فقط، بينما انتقل الاستديو الأول الحالي والذي يحوي أهم مخرجي الاستديو بالإضافة إلى القسم الرقمي إلى مبنىً آخر. وهناك الاستديو الثاني (فعلياً مجرد طابق) فيحوي بعض المخرجين والعاملين بالإضافة إلى احتوائه مدرسة الاستديو. بذكر مدرسة الاستديو فهي مدرسة تعنى بتعليم أي شخص مهتم بالأنيمي تحت سن الخامسة والعشرين. تقوم المدرسة بتعليم الرسوم المتحركة (Animation) والخلفيات، وكثيرٌ من خرّيجيها ينضمون إلى كيوأني لاحقاً، حيث يوجد الآن على الأقل 12 رسّاماً مفتاحيّاً، بالإضافة إلى بعض الرسامين البينيّين ورسامي الخلفيات، من العاملين في الاستديو من خرّيجي المدرسة. معلموا المدرسة هم من طاقم الاستديو القدامى وخرّيجيها. دور المدرسة ظهر بوضوح في أنيمي Kyoukai no Kanata الذي احتوى عدداً كبيراً من خرّيجي المدرسة. يوجد متجر (طابق أيضاً) لبيع منتجات الاستديو ومبنىً آخر لتصميم هذه المنتجات. أما المبنى الأخير فهو الوحيد الموجود في أوساكا ويحوي استديو Animation Do، وهو ما سأتحدث عنه في الفقرة القادمة. من الجدير بالذكر أن المكتب الرئيسي والاستديو الأول هما المبنيان المملوكان للاستديو فقط، أما الباقون فهي مبانٍ مستأجرة، بالإضافة إلى وجود مبنىً جديد مملوك للاستديو قيد الإنشاء. وقبل أن أنتقل للحديث عن دو، يجب ألّا أنسى الاستديو الكوري ST Blue (سابقاً AniVillage). هو استديو صغير موجود منذ التسعينات على الأرجح، لكن بعد توسع كيوأني في الفترة الأخيرة اقتصر عملهم على بعض البينيّات والتلوين، ولم تعد الاستديوهات الرئيسية بحاجةٍ لهم كثيراً.  

موقع مباني الاستديو يؤثر في الأنيميات التي ينتجها، هذه المحطة مثلاً التي بجوار الاستديو الأول ظهرت في أنيمي Hibike! Euphonium.

استديو Do كان مجرد فرع لكيوأني في أوساكا موجود منذ الفترة التي كان يقوم فيها كيوأني بالأدوار البسيطة كمتعاقد فرعي. لكن في عام 2000 قرر هيدياكي هاتّا تحويله إلى شركة أخرى تماماً، وحوّل اسم الاستديو من Kyoto Animation Osaka، إلى Animation Do. فكرة الاستديوهات الفرعية موجودة في كل الاستديوهات الكبيرة لكن طريقة تطبيقها تختلف قليلاً من مؤسسة إلى أخرى، بينما يمكن لفروع استديو Sunrise العمل على مشاريعها الخاصة، دو، على الرغم من كونه شركة مستقلة، عمله مقتصر على المشاريع التي يعمل عليها الاستديو الرئيسي. الاستديوهات الموجودة في كيوتو أكبر على أية حال، ولديها أقسام غير موجودة في فرع دو، لذا يقتصر عملهم على إنتاج حلقات معينة فقط أو حتى أجزاء منها. لكن الاستديو بدأ مؤخراً بالحصول على مشاريعه الخاصة، أولها !Free عام 2013.

على الرغم من كل ما قلته، فعلياً لا فرق بين دو وباقي استديوهات كيوأني. المشاريع التي يعمل عليها دو تشارك فيها الاستديوهات الأخرى، والعكس. كما أنه من الشائع انتقال العاملين بين دو (أوساكا) والاستديوهات الموجودة في كيوتو حسب الحاجة، بشكل مؤقت أو دائم. فوتوشي نيشيا – Futoshi Nishiya انتقل للعمل في دو خلال فترة إنتاج !Free لأنه كان مشروعاً تحت إدارتهم، وقد يكون الرسّامون المفتاحيّون من دو بينما الرسّامون المفتاحيّون الثانويّون من كيوتو، أحياناً يشارك العديد من الأشخاص في مشروع واحد دون النظر إلى أي فرعٍ ينتمون، سواءً كان مشروعاً لاستديوهات كيوتو أو دو. كيوأني يعمل ككيان واحد في النهاية، هذه الأمور لا تشكل فرقاً إلا إن كنت تريد الخوض في التفاصيل المالية والمؤسسية. لكن إن رأيت اسم Animation Do مستقبلاً، لا تعتقد أنهم استديو منفصل أو شركة مختلفة عن كيوأني.

الخاتمة

بسياسة كيوأني المميزة وإدارته الممتازة استطاع أن يتطور ويكبر من استديو صغير يقوم بأدوار بسيطة، إلى شركة تنتج أنيمياتها الخاصة وتملك حقوقها الفكرية أيضاً. مع امتلاك العديد من المهارات الكبيرة وتدريب المواهب الصغيرة وبجدول وإدارة منظمة للمشاريع يقدم الاستديو مستوىً مبهراً في جميع أعماله. تفضيلي ليس ناتجاً عن إعجابي بالأعمال التي يقدمها فحسب، بل لكون كيوأني نموذجاً شبه مثالي يخلو من معظم المشاكل الموجودة في المئات من استديوهات الأنيمي الأخرى، ربما لا يتفوق عليه إلا غيبلي في أيامه الذهبية (مع فرق إنتاج الأنيمي للتلفاز عن إنتاجه للوسط السينيمائي). ضيق الوقت، سوء بيئة العمل، الجودة المتدنيّة والأرباح القليلة أو عدمها كلها أمورٌ لا يعاني كيوأني منها.

قد لا أبالغ إن قلت أن كيوأني أحدث أمراً ثوريّاً في الصناعة، وأتمنى أن تتبع الاستديوهات الأخرى نموذجه. لكن الأمر ليس بهذه السهولة، المخاطرة كبيرة والتزام سياسة العقود مع العاملين بالتحديد ليس سهلاً، يمكننا رؤية كيف انهار استديو Ufotable أثناء إنتاجه God Eater، حيث من المعروف عنهم القيام بمعظم عملية الإنتاج داخل الاستديو، لكنهم لم يستطيعوا المواصلة هكذا في God Eater. كيوأني كان في المكان المناسب في الوقت المناسب وانتهز الفرصة، وحالفه الحظ قليلاً. على أية حال، مهتم برؤية ما الذي يحمله المستقبل لهذا الاستديو وكيف سيتطور، ومهتم بمتابعة ما سيقدمه من أعمال رائعة أخرى في المستقبل.