استديو غرافيتون

بسم الله الرحمن الرحيم

سأتكلم هذه المرة عن استديو غرافيتون – Graviton، استديو صغير قصير العمر في الثمانينات، وعن الأشخاص الذين كانوا متواجدين فيه. لو كنت تتساءل ما الذي قد يثير اهتمامك للقراءة عن استديو كهذا، سأكتفي بالقول أن أحد مؤسسيه كان اسمه هيدياكي أنو، وأول مشروعٍ أخرجه كان لدى هذا الاستديو. بشكلٍ عام هذه ملاحظات متفرقة جمعتها أثناء بحثي بكل ما يتعلق بالاستديو، والذي لم يكن سهلاً تماماً فالمعلومات عن استديو صغيرٍ قصير العمر كهذا قليلة ومبعثرة هنا وهناك.

تبدأ قصة الاستديو مع هيدياكي أنو في سنة 1984، بعد انتهائه من العمل على فيلم Macross Do You Remember Love. حتى نحصل على خلفية عن استديو غرافيتون علينا النظر إلى حال هيدياكي أنو وقتها، فهو في تلك الفترة كان ما زال حديث العهد في الصناعة، ولا أعتقد حتى أنه كان متأكداً من رغبته المواصلة في هذا النوع من العمل أم لا. من المعروف أن أنو انتقل إلى طوكيو بدعوةٍ من ميازاكي للعمل على فيلم ناوشكا، بعد تركه الجامعة، لكنه انتقل بحقيبة ظهر وبالكاد دون نقود. حال أنو في تلك السنة كان صعباً، متنقلاً من سكنٍ إلى آخر، ينام في الاستديو أثناء العمل على المشاريع، إلى آخره. قد يظن البعض أن ظروف العمل السيئة في صناعة الأنيمي أمرٌ حديث العهد، ومع أن الحال أصبحت بالفعل أكثر سوءاً مؤخراً، إلا أن ظروف العمل في الصناعة كانت دوماً سيئة وصعبة خاصةً على الصناع الجدد.

صفحة من رسم هيدياكي أنو سنة 1985 عن حاله خلال سنة 1984. الترجمة الإنجليزية هنا.

في تلك الفترة وأثناء عمله على فيلم ماكروس  التقى أنو بـشويتشي ماسو – Shoichi Masuo، رسام تحريكٍ شاب آخر. هما وصديقان شابّان آخران، كوجي إيتو – Koji Itou وكاتسوهيكو نيشيجيما – Katsuhiko Nishijima، قرروا التشارك سويةً لإنشاء استديو خاص سمّوه Graviton. التاريخ الدقيق لإنشاء الاستديو هو حوالي يونيو من تلك السنة، ويذكر أنّو أنه كان يعمل على اوفا Megazone 23 أثناء تواجده هناك.

طبعاً أقول كلمة استديو، وهي ما يستعمله الجميع في وصف غرافيتون، لكن يجب توضيح ماهية هذا الاستديو أولاً، أو بالأحرى، ماهية الاستديوهات عموماً في صناعة الأنيمي. تحدثت سابقاً عن استديوهات الأنيمي بالتفصيل في تدوينةٍ قديمة، لذا سأختصر هنا بعض الشيء. الاستديو باختصار هو مكانٌ يجتمع فيه الصنّاع للعمل، يضعون فيه معداتهم والأدوات التي يحتاجونها، وفي بعض الحالات ينامون فيه. كلمة “استديو” تعطي تخيلاً لشيءٍ أشبه بشركة أو جهةٍ ما لها ممثلون وتنظيمٌ إداري، لكن هذه ليست الحال في نسبة كبيرة بين استديوهات الأنيمي، فمعظم استديوهات الأنيمي صغيرةٌ لا هدف منها سوى توفير مكانٍ يمكن للعاملين المكوث فيه لقضاء عملهم. ربما يتواجد شخصٌ بمنصبٍ إداري كمنتج أو ما شابه لتنسيق العمل والحصول على المشاريع من الاستديوهات الأكبر، لكن ليس دوماً.

ربما يكون غرافيتون حالةً خاصةً بعض الشيء، إلا أن حال الاستديوهات الصغيرة، أي معظم استديوهات الأنيمي، أقرب له من قربها إلى حال الاستديوهات الكبيرة مثل توي وبونز وكيوتو. غرافيتون كان عبارةً عن مساحةٍ سكنية مستأجرة يمكن لأفراد الاستديو المكوث فيها حينما يشاؤون ويتشاركون في مصاريفها. لا يجب عليهم العمل على مشروعٍ معينٍ سويةً، ولا التزامات معينة مفروضةً عليهم، يمكن لأفراد الاستديو القدوم والذهاب متى يشاؤون. أنّو مثلاً كان يتردد الاستديو أحياناً ويعود لغاينكس أحياناً أخرى. كمثالٍ آخر حديثٍ يمكنني ذكر تاكافومي هوري – Takafumi Hori، الذي كان مكتبه موجوداً في استديو تريغر وكان يعمل على مشاريع لاستديوهاتٍ أخرى من هناك، مثل أنيميات A-1 Pictures، وتواجده هناك كان بسبب علاقته الجيدة مع أفراد تريغر.

فائدة مكانٍ مثل غرافيتون هي مشاركة المصاريف بين أفراد الاستديو، وربما أحياناً فرصة المشاركة في مشروعٍ حصل عليه أحد أفراد الاستديو الآخرون، سنرى أمثلةً على كل هذا عندما أبدأ بالحديث في التفصيل عن مشاريع أفراد الاستديو على حدة. أمثلتي بشكلٍ عام مرتبطة بأنّو كون الحصول على معلوماتٍ عن الفترة التي قضاها في غرافيتون أسهل بكثيرٍ من أفراد الاستديو الآخرين نظراً لشهرته، لكن كل واحدٍ منهم كان رساماً بقدرٍ عالٍ من المهارة وحظي بمسيرةٍ حافلة.

سأواصل بدايةً مع أنّو باستعراض الأعمال التي شارك فيها وكان لها علاقةٌ بالاستديو. أول مشروعٍ هو الجزء الأول من Megazone 23، الأوفا الثمانينية الشهيرة، حيث رسم فيها بضعة مشاهد. لن أتحدث عنه فأنا أنوي الكلام عنه بالتفصيل في تدوينة أخرى. أرجح أنه عمل على أوفا Pop Chaser 4 أثناء تواجده هناك أيضاً، وبعدها عاد إلى غاينكس للعمل على فيلم Wings of Honneamise، ومن ثم أصبح يتنقل بين الاستديوهين أثناء عمله على مشاريع متنوعة حتى سنة 1988 تقريباً، أي حتى استلامه زمام الأمور كمخرج في أوفا Gunbuster. لم يعد أنو بعدها إلى استديو غرافيتون، غالباً لأنه استقر لدى غاينكس ولم تعد أحواله المادية بالسوء الذي كانت عليه في سنينه الأولى.

عمل أنّو في تلك الفترة على عدة إعلانات، أولها هو إعلان لجهاز تشغيل موسيقى من JVC، قام به لدى غاينكس سنة 1987. الإعلان لا علاقة له بالموسيقى ولا بالأجهزة الكهربائية، هو ما قاله ممثلو الشركة إن لم أكن مخطئاً، لكني أجده إعلاناً جيداً من ناحيةٍ تقنية. الإعلان الآخر الذي عمل عليه، المثير للإهتمام حقاً، هو إعلانٌ للعبة على جهاز NES اسمها فاليس – Valis. هذا الإعلان هو بالمناسبة أول عملٍ رسمي (يتقاضى عليه أجراً) كمخرج في مسيرة أنّو. قام بهذا الإعلان في السنة ذاتها لكن لدى استديو غرافيتون، وكنت سأقول أن الاستديو غير مهم فهو كما قلت سابقاً مجرد مكانٍ تواجد فيه أثناء عمله، إلا أن هذا الإعلان كان تعاوناً نادراً بين أفراد استديو غرافيتون. كما أنه وكمعلومةٍ جانبية صرف الأجر الذي حصل عليه من هذا الإعلان في شراء مكيف للاستديو بدلاً من الذي تعطل. الإعلان في الفيديو التالي:

كان الحديث في المجلات والملصقات الترويجية عن الإعلان القصير هذا معتمداً على نقطتين: أولهما أن المخرج هو هيدياكي أنو، الرسام العبقري الذي لعب دوراً رئيسياً في DAICON وفيلم Wings of Honneamise، ثانيهما هي تصاميم كاتسوهيكو نيشيجيما وإشرافه على الرسوم، نيشيجيما الذي أخرج أوفا Project A-Ko المذهلة. لا أعلم إن كانت هذه نيتهم، لكن أشعر أن الجمهور المستهدف بهذا الإعلان كان واضحاً. الشركة المسؤولة عن إنتاج الإعلان كانت سن رايز، وأعتقد أنهم هم من تواصل مع أنّو بطريقةٍ أو بأخرى ووكلوا له المهمة، والذي بدوره أشرك رفاقه فيه، ما أدى إلى كتابة اسم غرافيتون كالاستديو المسؤول عن الأنيميشن في الإعلان.

  • إخراج: هيدياكي أنو
  • تصاميم شخصيات – إشراف رسوم: كاتسوهيكو نيشيجيما
  • أنيميشن: غرافيتون
  • خلفيات: Atelier Musa
  • لمسات نهائية: Studio Fantasia
  • إنتاج: هيديوكي تومويكا (سن رايز)
صورة من إعلان في مجلة يابانية يتحدث عن مشاركة أنو ونيشيجيما في الفيديو الترويجي

هذه فرصة جيدة للحديث عن كاتسوهيكو نيشيجيما، وهو من أبرز الصنّاع في الثمانينات. كان يريد نيشيجيما أن يصبح مانجاكا في البداية، لكن رغبته في مرتبٍ جيد وحياةٍ مستقرة دفعته للإلتحاق بالجامعة، والتي تركها في سنته الأولى ليذهب إلى صناعة الأنيمي. مع أنه أراد الالتحاق باستديو سن رايز في البداية بعد مشاهدته لغندام الذي عرض أثناء سنته الأولى في الجامعة، كان الاستديو لا يستقبل رسامين بينيّين آنذاك، فحوّله منتج الاستديو إلى استديو لايف، حيث اجتاز امتحان القبول بنجاح. أول عملٍ له في الصناعة كان رسم البينيّات في Cyborg 009 الحلقة 27 غالباً. أول عملٍ له كرسام مفتاحي كان بعدها بعدة شهور في الحلقة 26 من Maeterlinck no Aoi Tori: Tyltyl Mytyl no Bōken Ryokō.

بدأ نيشيجيما بلفت الأنظار إليه بعد مشاركته في أوروسي ياتسورا – Urusei Yatsura، وهو في الأساس معجبٌ كبير بالمانجا، ما دفعه لطلب العمل على المشروع شخصياً من تويو أشيدا (مدير استديو لايف). هناك بدأ بتطوير أسلوبه الخاص، مع تأثره بأسلوب كانادا بوضوح، وبدأت مشاهده تبرز عن غيرها. حتى عندما توقف استديو لايف عن العمل على أوروسي ياتسورا، انتقل نيشيجيما إلى استديو دين وواصل العمل عليه هناك. يمكن القول أن عمله على أوروسي ياتسورا هو ما أدى إلى أهم مشروعٍ له في مسيرته، أوفا أكو – A-Ko، لكنها أوفا تستحق تدوينتها الخاصة التي ستأتي لاحقاً. قبل خروجه من استديو لايف شارك نيشيجيما في العديد من أعمالهم، مثل مينكي مومو و Dr. Slump Arale-chan، وحتى بعد خروجه ما زالت تربطه معهم علاقةٌ جيدة فشارك مثلاً في أوفا Kyoufu no Bio Ningen Saishuu Kyoushi مع الاستديو.

هناك العديد من النقاط التي تميز مشاهد نيشيجيما. بدايةً لدينا طريقة رسمه للأجسام، فعرف عنه رسم الفتيات بطريقة “مثيرة”، بينما يبقي على الوجوه بسيطةً لطيفةً بعيونٍ كبيرة. لا عجب أن أسلوبه هذا حصد له عدداً لا بأس به من المعجبين، خاصة بالنظر إلى أن لام (بطلة أنيمي أوروسي ياتسورا) كانت معشوقة الأوتاكو الأولى آنذاك، وهي شهرةٌ تضاعفت بعد أوفا أكو. الفيديو الترويجي للعبة فاليس أتى بعد أوفا أكو بقليل.

من إطارات تصادم نيشيجيما الجميلة. نلاحظ الفتاتين، وهما من أوفا أكو.

تصاميم نيشيجيما جميلةٌ برأيي، وهذا الإعلان هو أحد الأعمال القليلة التي نرى فيها تصاميمه الخاصة. إلى جانب التصاميم أنا معجبٌ جداً بمشاهده التي رسمها في تلك الفترة. أعتقد أنه كان يعرف كيف يضفي ديناميكيةً وحيويةً على مشاهده (مثال) دون الحاجة إلى حركة زائدة أو مفرطة، كأن أسلوبه كان ناضجاً إن صح التعبير، دون فقدان أي جاذبية أو متعة. كان يتلاعب بالمنظور بشكلٍ ممتاز مثلاً، أو يستعمل إطارات تصادم فريدة من نوعها بلمسةٍ خاصة، وإطارات التصادم خاصته من أكثر لمساته التي تعجبني.

في مشهده في إعلان فاليس الترويجي مثلاً (في الأعلى) نرى كيف تتبادل الشخصيتان اللتان تتقاتلان أماكنهما بالنسبة إلى الكاميرا، كأن الكاميرا تلتف حولهما. هذا يذكرني بمشهده في أوفا Outlanders (في الأسفل)، وهو من المشاهد المفضلة لدي على العموم. بعد مشاهده هذه في الثمانينات بالكاد يوجد شيءٌ جدير بالذكر من أعمال نيشيجيما، خاصة بما أنه ركّز على الإخراج وقلت مشاركته في الأنيمي بشكلٍ عام، كما هو الحال مع العديد من رسامي تحريك تلك الفترة.

بالنسبة إلى الأشخاص الذي يشاركهم نيشيجيما العمل في المشاريع فمن أولهم مورياما يوجي – Moriyama Yuuji، الذي تمتد بينه وبين نيشيجيما صداقةٌ منذ الثمانينات. غالباً كان الشخص الذي عرفهما على بعضهما هو هيدياكي أنّو، حيث التقى أنّو مورياما حوالي سنة 1984 أثناء تواجده لدى استديو MIN، وهو استديو لا يبعد كثيراً عن غرافيتون. مرةً أخرى، كلمة استديو هنا ليست الكلمة الأدق، فـMIN كان مجرد مساحةٍ سكنية يتجمع فيها الرسامون، ما يدل على أن “استديوهات” كهذه ليست نادرةً البتة.

MIN تأسس سنة 1982 وحُلّ سنة 1991، إلا أن الاستديو كان حافلاً بأسماء أشهر من نارٍ على علم على الرغم من عمره القصير. فإلى جانب سالف الذكر مورياما يوجي لدينا هيرويوكي كيتاكوبو، وهيديكي تامورا، ويوشيهارو فوكوشيما كالأفراد المؤسسين للاستديو، بينما تواجد نوبوتيرو يوكي لفترةٍ فيه أيضاً. أترك لكم حرية البحث عن هذه الأسماء وأعمالها فهذه التدوينة القصيرة أصبحت أطول مما توقعت. في الواقع لاحظت أن معظم المشاركين في حلقة Cream Lemon Pop Chaser الشهيرة كانوا سواءً من أفراد MIN أو من Graviton، إحدى أكثر حلقات الأنيمي إدهاشاً وإذهالاً في الثمانينات رسمها أولئك الشباب من “استديوهاتهم” الصغيرة.

قبل أن أختم التدوينة أضيف أن الفترة التي التقى فيها أنّو بـمورياما لأول مرة كانت أثناء عمله كرسّام على مانجا من تأليف المخرج مامورو أوشي – Mamoru Oshi (العلاقة بين مورياما وأوشي نشأت أثناء إخراج أوشي لأوروسي ياتسورا بعد أن شارك يوجي كرسّام تحريك)، اسمها “وفي النهاية…” (とどのつまり) نُشرت في مجلة فرعية من مجلات أنيماج اسمها أنيماج كوميكس – アニメージュコミックス. هذا تسبب في تردد توشيو سوزوكي، الذي كان ما يزال محرراً في مجلة أنيماج، على استديو MIN تلك الفترة لمقابلة مورياما مرة في الشهر على الأقل، حيث كان يتلقي أنّو بالصدفة أيضاً، وأتوقع أن المعرفة بينهما كانت موجودةً كون هذه الأحداث أتت بعد فيلم ناوشيكا.