وثائقي هيدياكي أنو على NHK

وثائقي هيدياكي أنو على NHK

بسم الله الرحمن الرحيم

كنت أكتب تدوينة قصيرةً مختلفة عندما عرضت NHK قبل عدة أيام وثائقياً عن هيدياكي أنو والسنوات الأخيرة في عملية إنتاج فيلم إيفانجليون الأخير الذي عرض بداية الشهر هذا أيضاً، وكان الوثائقي جيداً ومثيراً للإهتمام لدرجةٍ جعلتني أتوقف عن كتابة التدوينة تلك حتى أسجل أكثر ما أعجبني من الوثائقي على شكل تدوينة مع ملاحظاتي الشخصية. الكلام أولاً ثم الصور، وتعليقاتي الخاصة بين أقواس(). ترجمتي الخاصة وأستقبل أي تصحيحاتٍ في حالة وجود خطأٍ ما.

عن أنّو وحياته

يبدأ الوثائقي بكلمةٍ من منتج استديو غيبلي توشيو سوزوكي عن أنو. “ما يميّزه هو أنه صريح وفتيّ القلب. عمره 60 سنة لكنه لم يكبر فعلياً، أو ربما لم يرد ذلك قط. انظروا إلى شينجي! أنو هو ما يرسم. لكن، ربما بسبب أن أفلامه تعكس هذه المصاعب يحبّها الشبّان، مصاعب الحياة.”

احتوى الوثائقي مشاهد عديدة تحدّث فيها سوزوكي وميازاكي عن أنو وعلاقتهم به، التي تمتد منذ بداية الثمانينات عندما شارك أنو في فيلم ناوشيكا. يقول ميازاكي أن أول انطباعٍ عن أنو عندما قابله أنه “فضائي”، بينما بدا أنو كـ”ـالإرهابي” بالنسبة لسوزوكي.

يكمل ميازاكي الحديث عن أنو وفترته التي قضاها معه في إنتاج ناويشكا. “كان ينام في الاستديو، وكنت أتساءل دوماً عن عدد الساعات التي كان يقضيها في العمل. كنّا، عندما نأتي في الصباح إلى الاستديو، نجده نائماً تحت إحدى المكاتب ورجله ممتدةٌ للخارج. كانت رائحتها نتنة! أسمينها “رِجل رَجل الكهف” آنذاك!”. الرسمة في الصورة هي رسمة لأنو آنذاك من رسم ميازاكي. يذكر أنها كانت فترةً صعبةً بالنسبة لأنو كبدايته في الصناعة، حيث لم يكن لديه المال ولم يكن لديه مكانٌ يسكن فيه بعد انتقاله حديثاً إلى طوكيو للعمل في صناعة الأنيمي. أنو ما زال محتفظاً بالرسومات المفتاحية لمشهده الأيقوني من فيلم ناويشكا إلى يومنا.

يتطرق الوثائقي أيضاً لطفولة أنو، حيث فقد والده إحدى رجليه في حادثٍ لم يكن من ذنبه، ولهذا كان والده ناقماً على العالم. “كان أبي يكره العالم هذا. في طفولتي كنت أرسم الروبوتات برجلٍ أو يدٍ ناقصة، وأحب رؤيتها تكسر منها. حصل هذا كثيراً في أنيمي Tetsujin 28-Go ما جعلني أحبه في صغري. أحب الأشياء الناقصة، الغير مثالية. ربما بسبب والدي. أردت قبول والدَيّ.”

أما بالنسبة لفلسفة أنو في العمل، فيلخصها الوثائقي في جملةٍ واحدة: “عملي الفنّي أولى من حياتي.” يقول أنو: “لا أريد أن أكون في الواجهة، بل عملي الفني. مستعدٌ لتقديم كل شيءٍ من أجل عملي، ولو وضعت حياتي وأعمالي على ميزان لمالت الكفّة في جهة أعمالي. لا مشكلة لدي في الموت من أجلها، ولو أن هذا أصبح أصعب قليلاً بعض زواجي.”

“ظننت طوال الوقت أنّي كنت أبذل جهدي من أجل كل معجبي الأنيمي حول العالم ولكن (بعد انتهاء مسلسل إيفا) رأيت مجموعة أشخاص على الانترنت يتكلمون عن وسيلةٍ لقتلي. يتناقشون عن أفضل وسيلةٍ لقتل هيدياكي أنو. بدأت أفقد الاهتمام بعدها، وظننت أنّي لن أصنع أي أنيمي بعد تلك اللحظة. فكرت في رمي نفسي تحت قطار، ومرةً أخرى فكرت في القفز من على سطح الاستديو، لكن ما أوقفني كان التفكير في ألم ما قبل الموت. لا أمانع الموت، لكن لا أريد تذوق الألم الذي يأتي قبله.”

سوزوكي: “أفضل دواءٍ لهذه الحالات هو صنع شيءٍ ما. عليك المضي قدماً.” ميازاكي تحدث أيضاً مع أنو أكثر من مرة في فترة الإكتئاب التي مر فيها بعد إنتاج إيفانجليون. في تلك الفترة بدأ أنو بالعمل على فيلمه الواقعي الثاني، ببطولة صديقه المخرج شونجي إيواي – Shunji Iwai وبأحداثٍ تقع في مسقط رأس أنو مدينة أوبي. اسم الفيلم Shiki-Jitsu وكانت قصته عن مخرج أفلام يعود لمسقط رأسه.

عن أسلوبه في العمل على إيفا

حتى أوائل سنة 2018، كان أنو منقطعاً عن استديو كارا ولا يأتي إلا نادراً. لا أحد يعلم متى قد يأتي وكم سيبقى في الاستديو.
– أنو في الصورة الثانية: “سأعود للنوم اليوم.”
– مقدمة البرنامج: “هل تعاني من نقصٍ في النوم؟”
– أنو: …

“أود أن يكون الفيلم كله مشهداً واحداً متصلاً. أريده أن يبدو كذلك. الوصل بين المشاهد صعب، لكن لو أشغلت نفسك بهذا الجانب وركّزت عليه فعلاً، قد تصل للحظةٍ تجد فيها طريقةً لم تفكر فيها من قبل لتصوير المشهد. إن لم تشعر بلحظة الاكتشاف تلك بنفسك وتتفاجأ بها فلن يشعر بها المشاهد أيضاً.”

“لو صنعت الفيلم الأخير بالطريقة المعتادة لصنع الأنيمي، سيكون مجرد امتدادٍ للأفلام الثلاثة السابقة. لن يكون شيئاً جديداً، ولا أريد هذا.” قال أيضاً: “صنع شيءٍ بناءً على مخيتلي سيكون مملاً. الأمور التي أفكر فيها ليس مثيرةً للإهتمام بتلك الدرجة، لذا أريد قلبها بطريقةٍ ما.”

المقدمة تسأل مصمم الميكا ياماشيتا إيكوتو: “على الرغم من أسلوبه الفوضوي في العمل وكل المشاكل التي يسببها لكم أنو، إلا أنكم مستمرون في العمل معه. لماذا؟”
ياماشيتا: “هممم.. أتساءل لماذا! لم أفكر في الأمر قبل أن تسأليني، لكن لو فكرت فيه، فنحن هنا في بيئة تسمح لك بالقيام بما يحلو لك. الشركات الأخرى تتّبع خطةً ما أو ما شابه، صحيح؟ ولو أنني عن نفسي لن أقول أن هذه أفضل طريقة للعمل” *يضحك*

أثناء تصوير الوثائقي

“لماذا وافقت على تصوير هذا الوثائقي؟”، أنو: “ظننت أنه سيكون دعايةً جيدة. هذا الزمان الذي نعيش فيه.”
أثناء تصوير الوثائقي كان كثيراً ما يقول لطاقم التصوير أنه لا داعي لتصويره هو. “لا فائدة من تصويري!”. ربما لم يكن يحب التصوير، إلا أنه طلب من فريق التصوير الجلوس حتى يعطيهم بعض التعليقات بشأن الوثائقي وطريقة تصويره. “أنت تصورونني كثيراً. أكثر من اللازم. لا داعي لأن أكون أنا محور التركيز في هذا الوثائقي، بل أريدكم أن تصوروا الأشخاص العاملين على الفيلم، تصوروا المصاعب التي يواجهونها وما إلى ذلك. أريد من هذا الوثائقي أن يكون جذاباً، ويجعل الفيلم يبدو جذاباً.”

أثناء أحد اجتماعات السيناريو كانت تمطر بشدة في الخارج. سأل أنو إلى فريق التصوير: “هل صوّرتم المطر في الخارج؟”
“ليس بعد”
“قوموا بذلك. صوّروا أكثر لحظات المطر شدّةً، يمكنكم استعمالها هنا في هذه الفقرة.” وكان هذا ما فعلوه.

عن إنتاج فيلم إيفا الأخير

من المعروف عنه أنه لا يتبع خطةً ما وليس كثير التخطيط عموماً. “لا أريد إتباع خطة عملٍ معينة في فيلم إيفا الأخير. اتفقنا على عدم استعمال لوحة القصة في الفيلم الأخير أيضاً.”

اعتمدوا في الفيلم بدلاً عن ذلك على تمثيل المشاهد في الواقع بناءً على السيناريو وتصويرها من عدة زوايا مختلفة في الآن ذاته، مع استعمال تقنيات التقاط الحركة (motion capture) لتمثيل الشخصيات. هذه المقاطع هي التي ستكون البنية البصرية للفيلم. “تركيزي هو على الزوايا. لو كانت الزوايا وإخراج المشهد جيدان، فلا حاجة للرسوم المتحركة بأن تتحرك من الأساس. ستكفيني الرسومات الثابتة. هذا ينطبق على الأفلام الواقعية (الحركة الحيّة) أيضاً.” أنو يراجع هذه المقاطع بعدها في غرفة التحرير، ولديه رغبةٌ كبيرة في رؤية المشهد من كل الزوايا الممكنة، حتى كان يقول بعد التقاط كل تلك المقاطع أن الزوايا غير كافية. أمثلة في الصور بالأسفل.

من الجدير بالذكر أن أنو يترك عملية التصوير لغيره من طاقم العمل ومن ثم يراجع عملهم ويشرف عليه.
سألته مقدمة البرنامج: “ألا تخشى أن تكون النتيجة مختلفةً عن المشهد الذي تتخيله في عقلك؟”
– أنو: “هذا هو الهدف. لو أردت رؤية المشهد بالطريقة التي تخيلتها لرسمت لوحة القصة منذ البداية.” بعدها ذهب لالتقاط صورٍ بنفسه على أية حال.

هذه التقنية تسمى Previsualization وليست جديدةً أو ما شابه، ولها استعمالاتٌ عديدة في صناعاتٍ مختلفة، لكنها لا تستعمل فعلياً في الأنيمي. أول مرةٍ أراها عن نفسي. وبالمناسبة، فيلم إيفا الأخير يحوي دور رسام لوحة قصة (画コンテ)، لذا أتوقع أنها رسمت بناءً على هذه المقاطع من أجل استعمالها في العمليات الإنتاجية الأخرى كرسم الخلفيات والمفتاحيات أو ما شابه، لا أعلم.

بدأت عودة أنو الفعلية للمشروع في مارس 2018، وكانت حينها أول مرةٍ يدخل غرفة التحرير لمشاهدة اللقطات التي صوروها بناءً على السيناريو. في شهر 6، بناءً على اللقطات الأولية، قال أنه ليس راضياً عن القسم الأول من السيناريو، ويريد إعادة كتابته بالكامل من الصفر. لم يكن يريد المساومة على أي تفصيلٍ صغيرٍ في العمل.

بدء تسجيل الأصوات في شهر مارس 2019 بناءً على السيناريو المتوفر، وما زال القسم الأخير (D) غير مكتمل.

“لم أفكر قط في نسيان الفيلم. خطر على بالي عدم إنهائه، لكن بشكلٍ ما لم تراودني الرغبة في ذلك إطلاقاً. من الواجب عليّ إنهاء ما بدأته، هذا واجبٌ تجاه نفسي، وتجاه طاقم العمل، والأهم تجاه جميع المتابعين.”

في شهر 10 2019 بدأ أخيراً تسجيل الأصوات للقسم الأخير من الفيلم. سألته مؤدية صوت شينجي: “ألن تكون هذه بداية قصةٍ جديدة؟”
– أنو: “لا قصة ستبدأ هنا. لكل شيءٍ نهاية، حتى لو كان ذلك محزناً، وهذه نهاية إيفا بالنسبة لي.”
كان أنو يقول من قبل أنه حتى لو حاول صنع شيءٍ مختلف، سينتهي الأمر به أن يكون مشابهاً لإيفا بشكلٍ أو بآخر. كان عليه حسم الأمر مع إيفا.

أنو يقول لمؤدي الأصوات أن يقولوا لجملهم الأخيرة بالطريقة التي تحلو لهم. الصورة الأولى مؤدية صوت ميساتو تبكي في الصورة الأولى، وفي الثانية مؤدية صوت آسُكا متفاجئة في حيرة.

بالنسبة لجملة شينجي الأخيرة، فقد يكون أضافها أثناء التسجيل. “وداعاً، لكل ما في إيفانجليون.” نهاية مشوار 25 سنة.

في شهر 12 سنة 2020 كان الفيلم مكتملاً أخيراً، ووقع العرض الخاص الأول له. أنو خرج من صالة العرض عندما بدأ الفيلم. تسأله المقدمة ألن تشاهده؟
– أنو: “لا أشاهد العرض الأول لأعمالي في العادة.”
– المقدمة: “لماذا؟”
– أنو: عندما أنتهي من عملٍ ما، يجب عليّ أن أبدأ في الذي بعده.”