مؤثرات وتقنيات تصوير الأنيمي القديم

مؤثرات وتقنيات تصوير الأنيمي القديم

بسم الله الرحمن الرحيم

أثناء مشاهدتي لأنيمي Maison Ikkoku وجدت هذه الافتتاحية، الخامسة والأخيرة في المسلسل، من الرسام المستقل كوجي نانكي – Kouji Nanke، والتي أثارت اهتمامي للبحث أكثر عن تفاصيل التصوير في أنيميات القرن العشرين، وهو ما سأكتب عنه في هذه التدوينة. سأستند في كلامي لاحقاً إلى هذه الافتتاحية، لذا شاهدها قبل المتابعة.

سأعود للافتتاحية بعد قليل، لكن ما يجعل التصوير في الأنيمي القديم مثيراً للإهتمام هو أن كل شيءٍ كان باستعمال أدواتٍ حقيقية، باستعمال كاميرات تصور رسوماتٍ حقيقية وما إلى ذلك. في الواقع، بالنظر إلى تاريخ الرسوم المتحركة ثنائية الأبعاد، بالأخص أشهر نوعٍ منها (تلك التي تستعمل السيلولويد)، سنرى أن الكاميرات كانت هي المستعملة في معظم تاريخ هذه الصناعة، وليست الحواسيب سوى تطورٍ حديث في هذا الوسط الفني. ديزني كانت تستعمل آلات التصوير برجيّة التصميم منذ الثلاثينات على الأقل، هذا لأن كل ورقة سيلولويد عبارةٌ عن طبقةٍ مختلفة تتحرك بشكلٍ مستقل عن باقي المشهد فوق الخلفية.

جهازٌ كهذا معقدٌ بعض الشيء بالنسبة لمعظم الأنيميات، المحدودة بقيودٍ مادية وزمنية ضيقة. أعتقد أن توي دوغا استعملت جهازاً كهذا في أفلامها على الأقل، إلا أنه وبشكلٍ عام وضع أوراق السيلولويد فوق بعضها على الخلفية طريقةٌ أسهل وأسرع، ولو أنها ليست بذات الكياسة، وهي طريقةٌ قد تصعّب الأمور إن كانت لديك الكثير من الطبقات التي تتحرك في المشهد ذاته خاصةً لو كانت سرعاتها مختلفة.

لا حاجة للقول بأن هذه العملية تتطلب طاقم عملٍ ماهراً لتنفيذها بإتقان، ومع أن عملية التصوير ما زالت تتطلب المهارة والخبرة في يومنا الحاضر، استعمال الكمبيوتر أمرٌ مختلفٌ تماماً. قرأت مرةً أن قسم التصوير، على الرغم من أنه ما زال يلعب دوراً حاسماً في تشكيل الهوية البصرية للأنيمي بل وأكثر من أي وقتٍ مضى، لا يُنظر إليه بالمستوى ذاته من التقدير حالياً، وذلك لأن كل شيءٍ أصبح أسرع وأقل كلفةً بعد الانتقال للكمبيوتر. حتى بعدما أصبحت عملية التصوير رقميةً تماماً، يُقال أن كمية المهام والعمل التي يقوم بها قسم التصوير زادت عن ذي قبل، هذا بسبب ارتفاع معايير جودة الأنيمي وتزايد الأمور التي تضاف وتعدّل رقمياً. هذا ليس موضوعنا على أية حال.

صورةٌ لما كانت تبدو عليه عدة التصوير التقليدية في الأنيمي. كانت توجد عدد تصويرٍ أبسط أيضاً. يوجد زجاجٌ شفافٌ في المنتصف توضع عليه ورقة السيلولويد فوق الخلفية، وأسفل هذا الزجاج يوجد مصدر ضوء. لاحظ المساحة المتوفرة لتحريك الرسومات والخلفية، وهو أمرٌ أساسي لتطبيق العديد من المؤثرات التي سأتحدث عنها لاحقاً.

لهذا السبب كانت تتطلب عملية التصوير مهارات تصويرٍ حقيقية آنذاك، حيث كان عليك إضافةٍ كل التأثيرات يدوياً بطريقةٍ ما. كان بالإمكان إضافة معظم المؤثرات البصرية بواسطة جهازٍ يسمى الطابعة البصرية (Optical Printer)، والذي كان جهازاً شائعاً في السينما لتطبيق مؤثراتٍ مثل الشفافية (وما يتبعها مثل البزوغ وغيره). طريقة عمل هذا الجهاز ببساطة كانت عن طريق عرض شريطي فيلم فوق بعضهما البعض، مع التلاعب بهما حسب الحاجة، بينما تقوم كاميرا أخرى بتسجيل الصورة النهائية على شريط فيلمٍ ثالث. حاولت تبسيط الأمر لكنه ليس بسيطاً، واستعمال 3 أشرطة فيلم (أحياناً أكثر) ليس رخيصاً، ما يجعل من جهازٍ كهذا غير مناسبٍ أبداً لصناعة الأنيمي.

ما زال بإمكانك صنع كل هذه المؤثرات بنفسك في النهاية، وهذا ما فعله صنّاع الأنيمي. بالعودة إلى مثال الشفافية، فلنقل أنك تريد إظهار شخصيةٍ بشكلٍ شفاف، السر هو تصوير الشخصيات بمستوى “تعريضٍ” مختلف عن الخلفية. يمكن التصوير على شريط الفيلم ذاته عدة مرات، لذا كل ما عليك فعله هو تصوير الخلفية أولاً بمستوى تعريضٍ كامل، إعادة الشريط للبداية، ثم تصوير الشخصية فقط بمستوىً أقل هذه المرة وستبدو شفافةً فوق خلفيةٍ كاملة الوضوح. هذا مفيدٌ جداً لإظهار الظلال، الانعكاسات، شفافية الزجاج وغيرها من الحالات الشائعة. يجب عليك إعادة التصوير حسب عدد العناصر مختلفة التعريض الموجودة في المشهد، وإعادة شريط الفيلم للبداية يحمل خطر إتلافه وإعادة العملية من جديد، ما يعني أنها لم تكن بالعملية اليسيرة عموماً.

هذا ما يسمى في التصوير بـ“التعريضً المزدوج” (Double Exposure)، وتستعمل العديد من المصطلحات في صناعة الأنيمي للإشارة إلى هذا التأثير مستوحاةً من المصطلح الإنجليزي. “دابو راشي” (ダブラシ) و WXP هما أكثر مصطلحين شيوعاً، وما زالا قيد الاستعمال حتى الآن.

التأثير التالي الذي أريد التحدث عنه هو الإضاءة. أقصد التأثير الذي تراه عندما تتوهج الخلفية أو جزءٌ منها (كالشمس). هل تذكر مصدر الضوء أسفل الرسومات في طاولة التصوير؟ هذا التأثير يعتمد عليه بشكلٍ أساسي. لا أظن أن مصدر الضوء هذا ضروري في المشاهد العادية، وقد لا يستعمل إلا لإضافة مؤثراتٍ كهذا. بما أن رسومات السيلولويد شفافة، سيشعّ ضوءٌ من خلالها عند وجود مصدر ضوءٍ أسفلها، وإن أردت تركيز الضوء على مكانٍ ما استعمل أوراقاً ملونةً كلها بالأسود ما عدا الجزئية المرغوبة. يسمى هذا التأثير باليابانية 透過光 (الترجمة الحرفية هي “الاختراق الضوئي”).

يجب التنويه بأنه ربما لم تكن هذه الطرق هي المستعملة لإضافة هذه المؤثرات دوماً. وُجدت أساليب أخرى، كما أن التقنيات تغيرت مع مرور الزمن، وكل شخصٍ لديه طريقته الخاصة في القيام بهذه الأمور إلخ. أحاول شرح الفكرة الأساسية والطرق الأكثر شيوعاً هنا. نقطةٌ أخرى سأذكرها فقط لأنها مثيرةٌ للإهتمام: أوراق السيلولويد ليست شفافةً تماماً، ما كان يتسبب في المشاهد المعقدة التي تحوي الكثير من الطبقات بقلّة وضوح الخلفية وغباشتها.

كانت هذه التقنية مفيدةً في صنع سماءٍ بنجومٍ لمّاعة، أو في صنع خلفيات أنيميات الميكا في الفضاء، فكل ما كنت تحتاجه هو ورقةٌ سوداء بها بعض الثقوب. تعتمد تقنيةٌ أخرى على مبدأٍ مشابه، وهي تقنيةٌ تسمى “الأقنعة” (マスク合成)، تُستعمل فيها أوراقٌ سوداء تسمى الأقنعة لإخفاء أجزاءٍ من الرسمة ليس من المراد إظهارها. مثالٌ بسيط على هذا هو إظهار الشخصية في مستطيلٍ فوق الخلفية.

كما ترى، كل هذه العمليات كانت تتطلب تلاعباً يدوياً بشكلٍ أو بآخر. إضافة الفلاتر إلى الكاميرا أو وضعها فوق الرسومات يفتح بعداً جديداً للتلاعب بالمشاهد، لكن أعتقد أن هذا أكثر التقنيات وضوحاً لذا لا داعي للخوض فيها كثيراً. كان يمكن أيضاً التلاعب بالزجاج خلف الرسومات، كما في المثال التالي من فيلم Ideon: Be Invoked، في أحد أكثر مشاهد الفيلم تأثيراً وجمالاً.

التقنية الأخيرة التي أريد التحدث عنها هي تحريك الرسومات على الطاولة أثناء التصوير. يمكن توقع نتيجة تحريك الرسومات من مكانها بسهولة، ويمكنك التفكير بعدة استعمالات ممكنة لهذه العملية، إلا أن تحريك الرسومات هدفه في حالاتٍ عديدة أبعد من إنتاج بعض المؤثرات البصرية.

تُرسم الخلفيات عادةً على أوراق أكبر من أوراق السيلولويد، وتوضع أوراق السيلولويد عليها بالشكل الملائم حسب المشهد. إن كانت الخلفيات كبيرةً كفايةً، يمكنك إظهار الكاميرا كما لو أنها تتبع الشخصية بتحريك الشخصية على خطٍ أفقي بين كل صورةٍ والأخرى. شخصياتٌ تمشي في المدينة، تجري في الغابة، تطير في السماء إلخ. كما أن الخلفية قد تتكون من عدة طبقات يمكن تحريكها بسرعاتٍ مختلفة بناءً على “المسافة” بينها وبين الشخصية لإضافة العمق للمشهد. هذا عاملٌ أساسي في إضافة شعورٍ ثلاثي الأبعاد للأنيمي وهو الأساس في العديد من المؤثرات والحيل البصرية. يدعى هذا الأمر بشكلٍ عام “التعدد” (マルチ).

لكن عليك الحذر عند استعمال تأثيرٍ كهذا، فالمشاهد التي تتحرك فيها الشخصيات والخلفيات معاً كانت وما تزال من أصعب المشاهد في الرسوم المتحركة. إن كان الفرق في سرعة الحركة بين الشخصيات والخلفيات واضحاً، فلنقل لو كانت الشخصيات تتحرك على ثلاثات والخلفيات على أُحْدان، ستظهر حركة الشخصيات متقطعة كما لو أنها تحاول اللحاق بالخلفية، في ظاهرةٍ تدعى “فليكر” (フリッカー). هذه مشكلةٌ ما زالت الأنيميات الحديثة تواجهها. تجد أمثلةً عليها في الفيديو هذا أو في المشهد هذا من Urusei Yatsura قبيل نهايته بقليل.

يمكننا الآن أخيراً العودة إلى الافتتاحية التي بدأنا عندها.

بدايةً مع أول عدة إطارات من الافتتاحية، يمكننا رؤية استعمال الأقنعة، الإضاءة، والشفافية في لقطةٍ واحدة. كوجي نانكي لم يرسم عيني كيوكو (الشخصية) فقط، ويمكن رؤية كيف تظهر المزيد من أجزاء شعرها فوق الحرف وعلى حواف المستطيل. أتوقع أن هذا لم يكن عن عمد، فمن الصعب حجب أجزاء المشهد (استعمال الأقنعة) بشكلٍ مثالي، ويمكننا رؤية الضوء يتسرب من الطرف الأيمن. تبدو الحروف لي كما لو أنها مقصوصةً من ورق، ويبدو أيضاً أنه ترك مسافةً بين الحروف والرسومات وبين الخلفية ثم سلّط ضوءاً بزاوية عليها أثناء التصوير لإنتاج الظلال.

نقطتي التالية هي بتلات الورود. لست متأكداً كيف فعلها، لكن إن ركزت فيها جيداً سترى أن حجمها وشكلها لا يتغيران، تبدو كما لو أنها “تنزلق” فوق الخلفية، ما يدفعني للقول بأنها أشكالٌ رسمها أو اقتطعها على ورقةٍ يحركها وأظهرها باستعمال الضوء. كما أشعر بأنها لا تتأثر بالظلال التي ترميها الحروف على الخلفية، ربما صورها مع الخلفية أولاً ثم صوّر الحروف فوقها.

هذه أكثر لقطات الخلفية إبهاراً. تحوي اللقطة شخصيتين شفافتين، كيوكو داخل مستطيل وخلفها ضوءٌ ساطع، بتلة ورد مقتطعةٌ من ورق، والشخصيات تتحرك خارج حدود الشاشة. تصوير كل هذا معاً يتطلب مهارةً عالية ويُظهر مدى مرونة كوجي نانكي كصانع رسومٍ متحركة وفنان.

تبدو الافتتاحية بسيطةً وربما مملةً في البداية، إلا أنها تحوي قدراً مدهشاً من التقنيات والخدع البصرية. تأمُّل الافتتاحية والتفكير في كل التقنيات التي تتضمنها يدفعك إلى الإعجاب بالقدر العالي من البراعة اللازمة لإنتاج شيءٍ مثلها. تُظهر الافتتاحية عمقاً وتعطي المشاهد إحساساً بثلاثية الأبعاد باستعمال كل تلك الخدع والأساليب. التحريك جميل ورسومات نانكي لطيفةٌ بالطبع، لكن من الواضح أن تركيزه في هذه الافتتاحية كان على منح المشاهد الإحساس الفريد الناتج عن الظلال\الأضواء، طبقيّة عناصر الافتتاحية وطريقة تفاعلها مع بعضها، الشفافية وغير ذلك. الكثير من تقنيات التصوير الشائعة تم إشراكه في هذه الافتتاحية بإتقان، ما جعلها عمل رسومٍ متحركة مثيراً للإهتمام بالنسبة لي.

على أية حال، معظم ما ذكر في هذه التدوينة تقوم به الكمبيوترات حالياً بضغطة زر. على الرغم من هذا، هذه المعرفة والتقنيات هي الأساس لما لدينا اليوم، واستمر وجودها وتأثيرها على الأنيمي الحديث بشكلٍ أو بآخر. هدف هذه التدوينة كان التعريف بالتقنيات الأكثر شيوعاً، أي ما يشبه المقدمة في عالم تصوير الأنيمي القديم، لذا سأُرفق بعض المصادر الإضافية في الأسفل للمهتمين.