الجودة في الأنيمي وفروقات البلو راي عن التلفاز

الجودة في الأنيمي وفروقات البلو راي عن التلفاز

بسم الله الرحمن الرحيم

عند الحديث عن أبعاد الأنيمي وجودته علينا التفريق بين الأنيميات القديمة، قبل دخول الكمبيوتر، وبين الأنيميات الحديثة. دخول الكمبيوتر والجانب الرقمي إلى الصناعة يشكل فارقاً بارزاً في هذا الموضوع. للتوضيح فأنا أتكلم عن أبعاد الفيديو، مثل 480 بيكسل (480×854) وغيرها. المهم هنا هو النسخة الأصل للعمل، أو ما يسمى “ماستر” (Master)، وهي النسخة النهائية بأعلى جودة للفيلم أو الحلقة، وهي التي توزع على القنوات، صالات السينما ومصنعي الأقراص. لا مشكلة في الانتقال من جودة عالية إلى جودة منخفضة، بينما لا يصح العكس بالطبع، لهذا كلما كانت جودة نسخة الأصل عالية كان إنتاج نسخٍ بجودات مختلفة كالبلو راي مثلاً أسهل.

بالنسبة للأنيميات القديمة فالأمر ليس بذاك التعقيد. الأنيميات القديمة كانت ترسم* على ما يعرف بأوراق السيلولويد، ومن ثم تُصوّر هذه الأوراق بكاميرا وتٌسجّل على شريط 16مم أو 32مم، مع كون 16مم أكثر شيوعاً. 16مم هنا هي عرض الإطار على شريط الفيلم، أي أنه بعدٌ فيزيائي وليس رقمي. هذا يعني أنه توجد نسخة فيزيائية من الحلقة أو الفيلم، ويمكن عرض هذه الصيغة بالأبعاد المطلوبة على شاشة التلفاز أو السينما. التفريق بين الصيغات الفيزيائية والصيغات الرقمية مهم هنا، فالصيغة الفيزيائية يمكن تحويلها إلى صيغة رقمية بجودة عالية عن طريق المسح (scan) وما شابه، بينما الصيغات الرقمية هي مجرد صور لها أبعاد محددة لا يمكن زيادتها دون الإضرار بالصورة.

هذا يعني أن الأنيميات القديمة، التي كانت تسجل على شريط فيلم، لا أبعاد محددة لها. تحويلها إلى صيغةٍ رقمية لإصدار بلو راي أو ما شابه هو مجرد عملية إعادة تصوير باستعمال أجهزة مثل الـTelecine. لست متأكداً من وجود حدٍ أقصى للأبعاد التي ستحصل عليها بواسطة هذه الطريقة أم لا، لكن إن وجدت فهي ليست أقل من 2K أو حتى 4K. بالتالي نرى أن بلو راي الأنيميات القديمة غالباً ما يكون بجودة عالية. من الأمثلة Serial Experiments Lain و Nadia: The Secret of Blue Water. بما أن الأنيمي قد تمت إعادة تصويره، الصورة أكثر وضوحاً بكثير من الأصل، مع ألوان أفضل وتفاصيل استثنائية. هذه الطريقة هي المستعملة في إنتاج بلو راي أفلام Ghibli أيضاً.

فيديو عن عملية الـTelecine.

نقطتان جديرتان بالذكر هنا: الأولى هي أن هذه الطريقة لا تمحي العيوب الموجودة في شريط الفيلم الأصلي. بمعنى أن أي غبار أو عيوب تواجدت في تصوير الأنيمي ستبقى موجودة، وعمليات إزالتها بطريقة رقمية لا تأتي بنتيجةٍ مثالية غالباً. قد تتساءل لماذا لا يعاد تصوير أوراق السيلولويد نفسها التي رُسم الأنيمي عليها من الأساس، والجواب بسيط: غير ممكن. الغالبية العظمى من استديوهات الأنيمي كانت تتخلص من أوراق السيلولويد التي رُسم الأنيمي عليها بعد الإنتهاء من تصويرها، حتى غيبلي. هناك أسباب عديدةٌ لهذا، أولها كون أوراق السيلولويد رقيقة، وسريعة الاشتعال، وتتأثر بالحرارة، ما يجعل تخزينها عمليةً ليست بالسهلة. أضف إلى ذلك الكمية الهائلة من الرسومات التي تحويها أعمال الأنيمي، والتي تتجاوز الآلاف. توفير المساحة الكافية لتخزين عشرات آلاف الرسومات بالشكل الملائم هي تكلفةٌ لا يريد أحدٌ تحملها، خاصة بوجود شريط الفيلم الذي يغنيك عن الحاجة إلى إعادة تصوير هذه الرسومات غالباً.

حتى عملية التخلص من إطارات الأنيمي بشكلٍ ملائم قد تكون مكلفة، فالذي يحصل غالباً أن يتلقى الاستديو عرضاً من أحد متاجر الأنيمي لشراء هذه الإطارات بثمنٍ قليل. يقوم المتجر هذا بعدها بالتخلص من الإطارات التي لا قيمة لها، كالإطارات التي تُرسم عليها الشفاه أو العيون فقط (وهي تشكل معظم إطارات الأنيمي)، ويستخرج الإطارات المميزة أو المرسومة جيداً ثم يعرضها للبيع. من الطريف أن ترى بعض المعجبين يدفعون المبالغ الضخمة على إطارات الأنيمي التي كان يريد الاستديو التخلص منها في الأساس، أو ترى قصصاً للصوص رسومات الأنيمي الذين يتسللون إلى الاستديوهات لسرقتها.
وإن فرضنا امتلاك الاستديو للإطارات ورغبته بإعادة تصويرها على أية حال، ستكون هذه عمليةً طويلةً مكلفة، وفي حالاتٍ عدة لن تنتج شيئاً مطابقاً للمشاهد الأصلية، حيث كانت تحرك بعض الإطارات فيزيائياً أثناء تصويرها لإضافة مؤثرات معينة من المستحيل إعادتها بشكلٍ مماثلٍ تماماً.

ملاحظة أخيرة بخصوص الأنيميات القديمة هي أنها كانت ترسم على أوراق مربعة تقريباً بنسبة أبعاد 4:3، وشريط الفيلم نفسه نسبة أبعاده 4:3 (نسبة عرض الصورة إلى طولها)، وهذه الأبعاد لا يمكن تحويلها إلى أبعاد حديثة (16:9) دون تشويه الصورة أو فقد جزء منها. أمثلة على تعديل أبعاد الصورة في إصدار بلو راي هي أفلام Urusei Yatsura كلها، التي شوّهها إصدار البلو راي للأسف.

الحديث عن الأنيميات الحديثة أصعب بعض الشيء. أول جزئية في الصناعة تم الاعتماد على الكمبيوتر فيها هي التلوين، في منتصف/أواخر التسعينات. آخر عملٍ استعمل فيه التلوين اليدوي في استديو Production I.G كان على الأرجح (Jin Roh(1999 وبعدها أغلق قسم التلوين اليدوي في الاستديو وتم تلوين وتركيب Blood: The Last Vampire بالكمبيوتر. معظم الاستديوهات تستعمل Adobe After Effects في تركيب الأوراق المرسومة مع الخلفيات والمؤثرات والأمور الأخرى في المشهد. استعمال AAE يعود إلى أواخر التسعينات، ومع بداية هذا القرن أصبح هو المستعمل عادةً في هذه العملية.

عند الانتقال إلى الكمبيوتر تم التخلي عن أوراق السيلولويد، كونها كانت مجرد أوراق تلوين ولا يرسم عليها من الأساس نظراً لحساسيّتها، وكل الرسومات الآن على أوراق عادية يتم مسحها إلى الكمبيوتر. كون تخزين هذه الأوراق أسهل من أوراق السيلولويد ليس من الغريب أن تحتفظ بها بعض الاستديوهات، فغيبلي يحتفظ بإطارات أعماله الحديثة مثلاً.

بما أن الرسومات ستنقل للكمبيوتر، فهذا يعني أنها أصبحت صوراً ولها أبعاد رقمية محددة، وهذه الأبعاد عامل مهم في إنتاج نسخٍ مختلفة من العمل لاحقاً كما قلت. جودة الأصل عند بدء الانتقال إلى الكمبيوتر وحتى حوالي سنة 2009 كانت 480p أو 540p. الإنتاج بجودةٍ أعلى تواجهه صعوبات تقنية عديدة، أولها حجم الملفات، فأنت تتحدث عن آلاف الصور في كل حلقة يجب تخزينها وتناقلها بين الأجهزة ومعالجتها داخل برامج مختلفة. لم تجد الاستديوهات في بادئ الأمر أي جدوىً من تحمل كل هذا العناء والتكلفة الزائدة، ومبيعات البلو راي احتاجت فترةً من الوقت حتى تتجاوز مبيعات الدي في دي، فاستمر إنتاج الأعمال على جودة أصل منخفضة.

الانتقال إلى جودة أصل أعلى جاء مع مطلع العقد الثاني، لكن كل زيادة في الجودة أصعب من التي سبقتها. الصور بأبعاد 1080p يصل حجمها إلى عدة “ميغابايتات”، وكلما زادت الأبعاد وكبرت الصورة زادت الحاجة إلى رسم المزيد من التفاصيل ما يعني الحاجة للمزيد من الوقت، ومن المعروف أنه لا وقت لديك كرسّام عند العمل على الأنيمي. الحاجة إلى رسم المزيد تقتضي الرسم على ورقٍ أكبر بالطبع. بعض الاستديوهات تجري بعض التغييرات لتحسين هذا الجانب، مثل Kyoto Animation الذي انتقل إلى ورقةٍ أكبر مع أنيمي (Kanon(2006 من أجل تحسين الأبعاد الأصلية. استديو JC Staff يصوّر الورق بأبعاد 900×1440 (قد تكون هذه الأبعاد تغيرت الآن). استديو P.A. Works كان من أوائل الاستديوهات التي انتقلت إلى 1080p.

ليس من السهل معرفة الأبعاد الأصلية التي تستعملها الاستديوهات، وبالتأكيد ستتغير مع الزمن. من شبه المؤكد أن لا استديو ينتج الأنيمي بأبعاد أقل من 720p، والعديد من الاستديوهات انتقلت إلى 1080p، إلا أننا أمام مرحلةٍ جديدة وهي الـ4K. لا داعي للقول بأنه لا يوجد أنيمي بجودة أصل 4K، إلا ربما أفلام ماكوتو شينكاي، وأكبر عقبة أمام هذا الانتقال هذه المرة هي مساحة الورق ربما. إن لم أكن مخطئاً فمعظم الورق المستعمل في رسم الأنيمي هو ورق A4 أو ما يقاربه، إلا أنه وعلى الأرجح فالانتقال إلى الـ4K سيتطلب الرسم على أوراق A3، وهي أوراق بضعف المساحة.

إعلان خانة عرض Anime Guild على قناة فوجي تي في الذي أنتجه يوفوتيبل في سنة 2017 كانت الأبعاد الأصلية فيه 4K. يوفوتيبل من الاستديوهات التي تمتلك قسم كمبيوتر متمرس ودوماً تتمتع أعمالها بمؤثراتٍ مميزة متقنة، ما يمكن رؤيته في هذا الفيديو. بالطبع، إنتاج فيديو قصير كهذا أسهل بمراحل من إنتاج حلقةٍ أو فيلم كامل بأبعاد 4K.

العديد من هذه العقبات قد يصبح تجاوزها أسهل لو انتقلت الصناعة إلى نظام إنتاجٍ رقمي بالكامل، بيد أنه ليس بالأمر السهل، وهو انتقالٌ ما زالت الصناعة تعمل عليه منذ سنين أو حتى عقود. توجد صيغات صورٍ مثل Vector تسمح بتكبير الصور بشكلٍ لا نهائي، ولا أعلم بصراحةٍ ما الذي يمنع من الانتقال إليها بالضبط فأنا لا أجد الكثيرين يتحدثون عنها. على ما أعتقد، فالعديد من البرامج المستعملة في إنتاج الأنيمي لا تتعامل مع هذه الصيغة من الصور، وبمجرد التحويل إلى صيغة Bitmap بأبعاد محددة لا يمكن العودة إلى صيغة Vector، ما يعني أنه يتوجب إنتاج الأنيمي بالكامل منذ البداية إلى النهاية بهذه الصيغة وبواسطة برامج تدعمها، الأمر الذي ما زال غير ممكنٍ ربما.

كل هذه يؤثر عند إنتاج نسخٍ بجودةٍ أعلى، مثل البلو راي. جودة البلو راي 1080p، لذا يكون البلو راي للأنيميات التي أُنتجت بأبعاد أصلية أقل من 1080p مجرد تضخيم (Upscale) مع إضافة بعض الفلاتر. عادةً يُنتَج البلو راي في استديوهات متخصصة غير الاستديو المنتج للأصل، واعتماداً على من يقوم بهذا قد تختلف جودة إصدار البلو راي، فقد تكون جيدةً أو قد تفقد بعض التفاصيل في محاولةٍ لإصلاح بعض عيوب التضخيم، لكن كلها في النهاية ستحتوي بعض الغباشة والعيوب.

هذه الطريقة في إصدار البلو راي بتضخيم الأصل تستعملها معظم الاستديوهات، مثلما فعل JC Staff في Toradora أو Ufotable في Kara no Kyoukai أو Kyoto Animation في Haruhi. هذا لا يعني أنه لا توجد طريقة أخرى أفضل من هذه، فمن الممكن إعادة مسح الرسومات الأصلية بأبعاد أعلى وإعادة تلوينها وإنتاجها رقمياً من جديد، إلا أن هذه بالطبع عمليةٌ متعبةٌ أكثر وستتطلب المزيد من الوقت والجهد الذي لا تريد معظم الاستديوهات تحمله.

بالحديث عن نسخ البلو راي فهناك فرقٌ مهم بينها وبين نسخ التلفاز أريد التحدث عنه بشكلٍ قصير، وهو فرقٌ قد لا يلحظه البعض. أي أنيمي يعرض على التلفاز يجب أن يمر على أجهزة تسمى “فاحص الباكا” (パカチェッカー)، وهي أجهزة تفحص سطوع الحلقة وتبحث عن أي تأثيراتٍ ضوئية ومرئية قد تسبب أضراراً صحية على المشاهد. كلمة “باكا باكا” نفسها ترمز إلى مؤثراتٍ معينة تُستعمل في الأنيمي منذ زمن وتكون على شكل ومضاتٍ متتالية أو ما شابه، وغالباً أول ما جلب الإنتباه إلى المخاطر الصحية لهذه المؤثرات، التي قد تصل إلى الصرع، كانت حلقة بوكيمون عرضت سنة 1997 ظهرت فيها هذه المؤثرات. هذه الحادثة تسببت في وضع قوانين جديدة تطبق على كل ما يعرض على التلفاز، من ضمنها إجراء فحص بواسطة تلك الأجهزة أولاً. يسمى هذا الفحص بـ”فحص هارديننغ” (ハーディングチェック) أيضاً، نسبةً إلى بروفيسور بريطاني كان يجري أبحاثاً على حادثةٍ مشابهة حصلت في بريطانيا بسبب إعلانٍ تلفازي.

الذي تقوم به هذه الأجهزة عند عثورها على مشهدٍ خطير هو تعتيمه بقوة، خاصةً عندما يحوي المشهد أشياء تتحرك بسرعة. التعتيم الذي يقوم به الجهاز شديد، وأكثر ما يعاني من هذا التعتيم هي المشاهد القتالية. انظر للمثال التالي.

على اليمين يمكن رؤية النسخة المتلفزة، وإلى اليسار النسخة الأصلية. الصورة من أنيمي Fate U\BW مأخوذة من مدونة فريق يوفوتيبل الرقمي الرسمية.

إلا أن نسخ البلو راي لا توجد عليها هذه القيود وبالتالي تأتي خاليةً من أي تعتيم وبالوضوح الأصلي. من المثير للإهتمام أن بعض استديوهات الأنيمي بدأت تحاول تجنب التعتيم هذا أو التعايش معه بطريقةٍ أو بأخرى، فيوفوتيبل مثلاً كان يحاول تعديل المؤثرات في نسخ التلفاز بشكلٍ يخفف من سطوعها، كل هذا من أجل المحافظة على التعبير الأصلي للمشهد والذي قد يضيع عند وضع التعتيم الشديد عليه. انظر للأمثلة التالية.

Original Frame هو النسخة الأصلية، ufotable OA Frame هو نسخة يوفوتيبل التي عرضت على التلفاز، Default OA Frame هو الذي ينتج عن فحص هاردننغ عادةً. انظر كيف عدل الاستديو المؤثرات في المقارنة الأولى لتصبح أقل سطوعاً بالتركيز على جعل المؤثرات ظاهرةً على حروف الرسومات مثلاً بدلاً من تغطيتها بالكامل. أما في المقارنة الثانية، يتسبب التعتيم الحاد بفقدان التباين بين بتلات الورود ويظهرها جميعها بلونٍ رمادي، ما جعل يوفوتيبل يلجأ إلى طريقةٍ أكثر نعومةً وأقل سطوعاً لإظهار التباين بين البتلات باستعمال درجاتٍ لونية مختلفة بدلاً من اللمعان والمؤثرات. المقارنة الأولى من أنيمي Tales of Zestiria the X والثانية من أنيمي Katsugeki/Touken Ranbu، كلاهما من مدونة فريق يوفوتيبل الرقمي الرسمية (12).

من المثير للإهتمام دوماً رؤية كيف أثرت التقنية في مظهر الأنيمي، فدخولها فتح أفقاً جديدةً للتعبير لم تكن متاحةً من قبل، لكن لا ننسى القيود التي وضعتها التقنية والتي غيرت شكل الأنيمي بدورها، مثل الجهاز الذي تحدث عنه قبل قليل.

من أنا؟

Alex

مهتم بصناعة الأنيمي وكواليس عميلة إنتاجه. أحب الرسوم المتحركة بشكل عام.