بعض من رسامي تحريك الشخصيات

بعض من رسامي تحريك الشخصيات

بسم الله الرحمن الرحيم

تابعت الكثير من أنيميات الروم كوم (الكوميديا الرومانسية) في الشهرين الأخيرين، من تورادورا إلى ياهاري و كامي نومي (God Only Knows) وحالياً سايناي (Saenai Heroine)، وإلى جانب استمتاعي بقصص هذه الأعمال فاجأتني بعض المشاهد الجميلة فيها. ربما لأنني قررت متابعتها بغض النظر عن مستواها الإنتاجي، أي دون أي توقعاتٍ مسبقة أو درايةٍ عن طاقم العمل. على أية حال قررت الحديث قليلاً عن بعض المشاهد التي أعجبتني وأبرز الرسامين في الأعمال التي تابعتها، وهي أسماء تتكرر بشكلٍ عام في هذا النوع من الأعمال.

أبدأ مع تورادورا والذي يكون ربما أغنى هذه الأعمال من ناحية المشاهد المميزة وأكثرها احتواءً على أسماءٍ مشهورة، ربما لكونه الأقدم. لا يحتاج أن أتكلم عن ماسايوشي تاناكا – Masayoshi Tanaka أو أتسوشي نيشيغوري – Atsushi Nishigori، لكن إلى جانب هذه الأسماء (أو ربما بسبب تواجدها في هذا المشروع) تواجد أشخاصٌ بأساليب متنوعة مثل هيرونوري تاناكا – Hironori Tanaka وسيا نوماتا – Seyia Numata وهيروشي تومويكا – Hiroshi Tomoika وحتى أكيرا أميميا – Akira Amemiya ولو حتى بمشهدٍ أو اثنين. كل هذا أضاف إلى تنوع الأساليب في تورادورا وإضافة المتعة إلى العمل.

سيا نوماتا كان صاحب أحد أبرز مشاهد تورادورا وأقواها تأثيراً، مشهد العراك في الحلقة 16، وهذا المشهد الوحيد من هذا النوع في الأنيمي على ما أذكر. يمكنك الشعور بحدّة وضرواة عراكهما فعلاً، فالضربات لها وزنها وتعابير الشخصيات مناسبة تماماً، لا أمل من إعادة المشهد والتأمل في تفاصيله. سيا نوماتا مثيرٌ للإهتمام بكونه أحد النجوم الصاعدين في تلك الفترة، فمشاهده في Higurashi وعمله على ختامية Zoids Genesis جلبا الأنظار عليه، لدرجة تخصيص جزئيةٍ عنه في حلقةٍ خاصة لقناة NHK عن خليفة كانادا آنذاك. طبعاً هذا أدى إلى تلقيب البعض له بـ”كانادا الجديد”، والذي أجده طريفاً فقد أشير إلى هيرونوري تاناكا بهذه الطريقة أيضاً على ما أعتقد، إلا أني أتفهم السبب في هذا. مشاهد نوماتا من تلك الفترة احتوت الروح الكاناداوية، بتوقيتٍ ورسم شخصياتٍ متقن، كما أنه أظهر إمكانياتٍ تتفوق على مجرد شخصٍ ينسخ أسلوب كانادا بمشاهده المتنوعة.

إذاً أين هو نوماتا الآن؟ لا أعتقد أن كثيرين يهتمون بهذا، فآخر مرة أخرج لنا نوماتا عملاً مثيراً للإهتمام كانت قبل سنين طويلة. أعتقد أنه ضيع وقته في بعض الأعمال اللولي والألعاب والآن يشارك هنا وهناك بشكلٍ بسيط. قد تكون هذه لعنةً يصاب بها كل من يتعلق اسمه بكانادا أو يتبنى أسلوبه في البداية، وهو أمرٌ يحيرني، فأغلبية الأسماء الصاعدة التي تتبنى هذا الأسلوب تفقد موهبتها بعد بضعة سنين. ربما فقدان الموهبة هو التعبير الخاطئ هنا، لا أظن أنه لم يعد باستطاعة نوماتا أو غيره رسم المشاهد التي كانوا يرسموها فجأةً، بل اختفى شغفهم أو ملّوا من هذا الأسلوب. أتفهم ما حصل للجيل الأول من مقلدي كانادا في الثمانينات أمثال كوجي إيتو – Koji Ito وكاتسوهيكو نيشيجيما – Katsuhiko Nishijima، الذين ربما وجدوا نفسهم فجأة ضائعين بعد انتهاء شهرة هذا الأسلوب بل وربما عدم تقبله في الصناعة بشكلٍ عام، وهو الأسلوب الذي استعملوه طوال تواجدهم في الصناعة. بالطبع لا يمكنك الرسم بالأسلوب ذاته طوال حياتك، حتى لو تمكنت من الثبات على هذا الأسلوب ستصاب بالملل، وربما هذا السبب في ضياع مقلدي كانادا بعد محاولتهم ترك هذا الأسلوب؟ هو أنه لا يعرفون غيره؟ بدايتك في الصناعة هي من أهم الفترات التي تتكون فيها الأساسيات لدى الرسام، ومن لم يستطع تطوير أسلوب كانادا إلى أسلوبٍ خاص به يتطور معه (مثل إيمايشي)، أو من لم يكن لديه الموهبة الكافية في الأساس لتكوين أسلوبه الخاص بعد تخليه عن أسلوب كانادا، سيجد نفسه ضائعاً بعد ملله من التقليد. بالحديث عن هذا، أجد “كانادا الجديد” لقباً لا معنى له، يمكن تشبيهه إلى “ميازاكي الجديد”. أختم بذكر أحد الكاناداويين الجدد الذين لفتوا انتباهي وهو كوسكي كاتو – Kosuke Kato، الذي لاحظته أولاً قبل حوالي السنة والنصف لمشهدٍ له في ناناتسو نو تايزاي أثار إعجابي. ما زال شاباً بعمر الـ25 سنة، إلا أنه يتمتع بمهارةٍ عالية ومشاهده الجديدة تمتعني دوماً، كمشهده الأخير في فيت (من 0:56 إلى 1:21). أتطلع لتطوره والذي قد يصل له في المستقبل.

الكثير من الافتراضات وربما الكلام الفارغ في الفقرة السابقة، فلنعد إلى موضوعنا. الشخص الذي أكمل مشهد القتال في تورادورا (على الأرجح) كان تيتسويا تاكيوتشي – Tetsuya Takeuchi، وقدم مشهداً مذهلاً آخر في الحلقة 23. مجرد مشهدين لكنهما بالتأكيد مثيران للإعجاب، إلا أن ما زاد إعجابي فعلاً بتاكيوتشي كان عمله المكثف على ياهاري الموسم الثاني. بشكلٍ عام العاملون على الأنيميات المدرسية معروفون والأسماء الرئيسية تتكرر عادةً، هي مجموعة فرق إن صح التعبير إلى جانب عدة رسامين حرين. فلدينا مثلاً فريق دوغاكوبو (السابق)، تيتسويا تاكيوتشي وتلميذه ريو أراكي – Ryo Araki، والمجموعة المتركزة حول A-1 Pictures تقريباً (كيسكي كوباياشي، ساوادا كينجي…)، الشباب “الديجيتالاوية” (تشينا، ناكايا أونسين، هاكويو غو…) وغيرهم، كونهم هم المتخصصون بشكلٍ عام في مشاهد أنيميشن الشخصيات. هذا لا يعني أنهم لا يجيدون المشاهد القتالية بالطبع، تاتسويا تاكيوتشي بارعٌ جداً فيها، كمشاركاته المتكررة في Sword Art Online.

شخصياً يثير أنيميشن الشخصيات إعجابي أكثر من المشاهد القتالية بشكلٍ عام. الأنيمي الياباني طور أساليب وحيل عديدة عبر الزمن تسهل من جعل المشاهد القتالية برّاقةً ومدهشة دون الحاجة إلى مهارةٍ عالية أو قضاء الكثير من الوقت، فالمهم في المشاهد القتالية هو إبهار المشاهد وليس التفاصيل. إطارات التصادم، المؤثرات، اللمعات وما شابهها. بينما يحتاج تحريك الشخصيات المتقن في المشاهد اليومية مثلاً إلى حرصٍ وعناية لتفاصيل عدة، مثل تعابير الشخصيات الدقيقة، طيات ملابسها، حركة المفاصل وغيرها مما يحتاج إلى مهارةٍ وخبرة في وزن توقيت حركة الشخصية والانتباه على توازن هذه العناصر معاً، فأنت تحاكي الحياة في النهاية ويجب أن تحاكيها بإقناع. يعجبني في تيتسويا تاكيوتشي مثلاً قدرته على إيصال مشهدٍ معبرٍ ومقنع دون بذل الكثير من الجهد أو الإكثار من التفاصيل في المشهد. في هذا المشهد من ياهاري مثلاً ترى حركات اليد البسيطة، شد وطي الكم، التركيز على حركة الشفاه أحياناً، اهتزاز الشعر بطريقةٍ معينة، كلها أشياء بسيطة لكنها توحي بتوتر المشهد بشكلٍ جيد للمشاهد وتنقل أحاسيس وتردد الشخصيات له.

مهارة أخرى يمتلكها تاكيوتشي هي غزارة مشاهده، ربما بسبب مهارته السابقة التي ذكرتها. من الصعب أن تجد رساماً يضاهيه في هذه الناحية، خاصةً في النصف الثاني من العقد قبل الماضي (2005~2010)، وأنا لا أبالغ أبداً، ستفهم لو نظرت إلى قائمة أعماله التي شارك فيها. الموسم الأول من ياهاري كان ميتاً تماماً من الناحية البصرية، رسم الشخصيات كان رديئاً وبالكاد كانت تتحرك، كل هذا تغير في الموسم الثاني بفضل تاكيوتشي وتلميذه أراكي فقط. شخصان فقط ملآ 13 حلقة تقريباً بالمشاهد الحية، وجعلا من الموسم الثاني لياهاري تجربةً مختلفةً تماماً عن الأول. لو قال أحدهم أن الأنيميشن القوي أو “الساكوغا” هي للمشاهد القتالية فقط، فهو بالتأكيد لم يشاهد موسمي ياهاري هذين، الفرق بينهما كالثرى والثريا. مشاهدة الموسم الثاني ممتعة تماماً، وجزء كبير مما جعل تأثيره عليّ أقوى كمتابع كان بفضل مشاهد كالذي ذكرته في الأعلى، بتحريكٍ يضيف إلى تأثير المشهد عليك ويحافظ على انتباهك.

بالنسبة لـساناي فأكثر مشهدٍ أعجبني هو بسهولة مشهد كيسكي كوباياشي. ساناي لم يخلُ من الأسماء الجيدة أبداً، لدينا ريوسكي نيشي وهاياتي ناكامورا وحتى ماسايوكي نونوكا، لكني أجد متعةً خاصةً في مشاهدة مشهده. طيات الملابس، ركضة البطل، ردة فعل الفتاة وحركات ملابسها، لا أعلم. لو كانت هناك ملاحظة معينة أضيفها هنا ستكون أهمية الحركات الجانبية أو إنهاء حركة الشخصيات بشكلٍ ملائم. في هذا المشهد مثلاً، عندما يتوقف الفتى، نرى رأسه يهتز بالطريقة الطبيعية لو كنت تجري وتوقفت. عندما تستند الفتاة إلى الجدار نرى ظهرها يستقيم مكملاً استنادها، بينما تقوم بعكس الحركة هذه عندما تستقيم من موضعها. هذه التفاصيل قد تعتقد أنها بسيطة لكنها أساسية لإقناعك كمشاهد حتى لو لم تلحظها. خاصةً في صناعة الأنيمي التي تعتمد على السرعة، تفاصيل كهذه هي أول ما يتم التضحية به. في هذا المشهد من تورادورا تعجبت من تركيز الرسام على لحظة ما قبل ارتطام ريوجي بالأرض بهذا الشكل، وأرى أنه كان بالإمكان أن تكون الحركة التابعة لارتطامه أفضل من هذا (بدى وكأنه التصق بالأرض، مع أنه في حالة كهذه يفترض ارتداد الجسم عن الأرض أو ما شابه).

بالعودة إلى كيسكي كوباباشي فبدايته كانت في استديو XEBEC، ومن هناك التقى مخرج Eromanga Sensei ريوهي تاكيشيتا – Ryuhei Takeshita. يجب أن لا ننسى أن رسامي التحريك أوتاكو في النهاية، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ومن ضمن مجالات هوس أي أوتاكو ياباني تجد الاهتمامات التي تميل للإنحراف أو المرض. أحاول تجنب هذه المواضيع في مدونتي، لكن لو بحثت العديد من الرسامين الذي أتكلم عنهم ستجد بعض الأعمال التي تظهر هوسهم هذا. في Eromanga Sensei كان كوباياشي مسؤولاً عن “مشاهد ساغيري” (ساغيري أخت البطل الصغرى) بهدف “إظهار الجوانب التي تذيب قلب أي مهووس” (الكلمة الأصل كانت fetishist ولا أعتقد أن لها ترجمةً مباشرة). مشاهد تغيير الملابس مثلاً. تاكيشيتا قام بدعوة كوباياشي إلى الحلقة السادسة التي أخرجها في New Game تحديداً ليرسم مشهد تغيير البطلة لملابسها. كوباياشي ليس الأسوأ مقارنةً بغيره، نوماتا الذي ذكرته سابقاً قضى سنين من حياته في أعمال اللولي. هذا جانبٌ لن أخوض فيه من أعمال الرسامين بشكلٍ عام، إلا أنه شيءٌ يجب ذكره لو كنا نريد الإلمام بأعمال رسامي التحريك والساكوغا.

نقطة أخيرة في هذه التدوينة هي المقارنة بين قوس الحركة والمشهد النهائي. هذا المشهد من تورادورا تعاون أتسوشي نيشيغوري وهيرونوري تاناكا في رسمه، وعلى الرغم من أني لست خبيراً بأسلوب أيٍ منهما، فالأجزاء التي تختلف الحركة فيها واضحة على ما أظن نظراً للاختلاف بين أسلوبيهما. حتى الثانية 14 تقريباً نيشيغوري، من 14 إلى 24 تاناكا. لدينا الآرتبوك الرسمي الذي يحوي الرسومات المفتاحية لتأكيد هذا، ما يوجب علينا شكر الإنترنت. على أية حال، من التفاصيل التي ستجدها في المفتاحيات هي قوس الحركة. أقصد هذا السهم الذي تمر خطوط من خلاله. هذا القوس يدل على الحركة: البداية والنهاية هي الإطارات المفتاحيّة، وعدد العلامات بينها يشير إلى العدد اللازم من البينيّات. المسافة بين هذه العلامات توضح نسبة الحركة اللازمة بين كل إطار. هذه الملاحظات مهمة لأنها ترشد رسّامي البينيّات إلى نطاق وسرعة الحركة. لن أقول أنه بالإمكان تخيّل شكل الحركة بالنظر إلى هذا القوس وإلى المفتاحيّات فقط، فهذه المهارة يكتسبها رسامو التحريك بعد سنين من الخبرة، إلا أن هذه الملاحظات تعطيك فكرةً عامةً عن شكل المشهد النهائي. بصراحةٍ نسيت معنى الحرف والرقم الذي بجانبه، كما أنه يوجد فرقٌ بين وضع الرقم داخل دائرةٍ وبين وضعه داخل مثلث، لكن سأعدل هذه التدوينة إن تذكرته أو وجدت المعلومة في مكانٍ ما.

من أنا؟

Alex

مهتم بصناعة الأنيمي وكواليس عميلة إنتاجه. أحب الرسوم المتحركة بشكل عام.