CyGames ومفهوم Media Mix في الأنيمي

CyGames ومفهوم Media Mix في الأنيمي

بسم الله الرحمن الرحيم

من المعروف أن الأنيمي المتلفز من بداياته هو منتج ثانوي يدعم منتجاً رئيسياً، مثل الأنيمي الذي يزيد شعبية مانجا أو لعبةٍ أو غيرها، حيث كان أول أنيمي متلفز أسترو بوي المقتبس من مانجا بنفس الاسم، والآن أظن أننا في نوع من فترة انتقالية لهذا المفهوم. في الفترة السابقة كانت مبيعات الأقراص تكفي حتى تصنع من مشروع الأنيمي مشروعاً ناجحاً (مادوكا ماجيكا مثلاً). الآن أصبح الوضع مختلفاً بعض الشيء. في هذه التدوينة أود الحديث عن مفهوم “ميديا ميكس – Media Mix”، أو المشروع متعدد المنتجات لو حاولنا تعريب المصطلح، وبعض الحديث عن استديو سايغيمز – CyGames كونه أحد أنجح الاستديوهات في هذا المجال.

قد تتساءل في البداية ما أهمية هذا المفهوم بالنسبة للأنيمي، ولماذا يجب على الأنيمي أن يكون دوره ثانوياً، وهذا يعود إلى الطريقة التي تكسب منها مشاريع الأنيمي المال، ففي النهاية، هدف أغلب الأنيميات هو تحقيق الربح بشكلٍ أو بآخر. هذا موضوعٌ طويل، وأنصح هنا بقراءة تدوينتي السابقة عن هذا الموضوع، لكن ما يهمّنا هنا هو نقطتان: الأنيمي بحد ذاته غير مربح، وأن الشركة المنتجة للأنيمي تحقق الربح عبر منتجٍ آخر تقوم هي أيضاً بإنتاجه.

مفهوم “الميديا ميكس” قديم كما قلت، لكن أتت أول طفرةٍ في النموذج التجاري (Business Model) لصناعة الأنيمي بعد نشأة الأوفا وسوق الأقراص، إذ أنها سمحت للأنيمي بحرية أكبر دون الحاجة للإرتباط بمنتجٍ آخر، وهذا تقريباً اختفى. في الثمانينات والتسعينات كنت ترى أعمال أوفا مستقلة بالعشرات كل سنة، أما الآن فتكاد تعد على الأصابع، ومبيعات أقراص البلو راي والدي في دي التي كانت تعتمد الأنيميات الليلية عليها كثيراً في تناقصٍ واضح منذ بداية العقد الماضي. عوائد التراخيص المتزايدة لم تنمُ بالسرعة الكافية لتعويضها، لهذا أصبح إنتاج أنيمي أصلي لا يستند على منتجٍ آخر أصعب من أي وقتٍ مضى. قد تنمو عوائد التراخيص العالمية إلى نقطةٍ ما في المستقبل بشكلٍ يجعلها كافيةً لتغطية تكاليف صنع أنيمي، لكن هذا الوقت لم يحن بعد.

شركات إنتاج الأنيمي بحاجةٍ لمواكبة هذه التطورات في الصناعة والبحث عن مصادر دخلٍ جديدة دوماً، وهنا يأتي دور مفهوم الميديا ميكس. الميديا ميكس برز كثيراً في العقد الماضي بعد نجاح ألعاب الجوال الكبير بقيادة CyGames في ألعاب مثل Granblue، أو ألعاب الغاتشا عموماً، وكانت النتيجة المنطقية لهذا هو اقتباسها لأنيميات، ومن ثم صنع ألعاب جوالٍ لأعمال كانت مجرد أنيميات بالأصل (ريزيرو، مادوكا ماجيكا…). من ناحيةٍ أخرى منح نجاح فيلم كيميتسو دفعة قوية للأفلام عموماً، ما زاد من أهمية الأفلام بالنسبة لسلاسل الأنيمي التلفازية.

مادوكا ماجيكا مثالٌ واضح. عملية إعادة إحياء السلسلة جاءت في البداية على شكل لعبة جوال (وطبعاً يجب أن يرافقها اقتباس أنيمي)، والآن فيلم. بعض المشاريع تنطلق في البداية بنيّة كونها مشروع ميديا ميكس، مثل مشروع Assault Lily الذي رأينا الأنيمي الخاص به قبل فترة، وهو مشروعٌ أُطلق من البداية كمشروع ميديا ميكس مكوّن من فيغرات ولعبة جوال وأنيمي. تأثير هذا على شكل اقتباس الأنيمي المتلفز الخاص به، المسمّى Assault Lily Bouquet، واضح، فلو تابعته ستلاحظ كيف يحاول العمل حشر أكبر عددٍ ممكن من الشخصيات في كل مشهد، مع عرض اسم الشخصية إلى جانبها عندما تظهر حتى تتذكرها جيداً، والتركيز على أسلحتها وعلاقاتها مع الشخصيات الأخرى. كل هذا هدفه جعلك تشتري الدمية أو تصرف المال في لعبة الجوال.

Assault Lily Bouquet الحلقة السابعة. هل يمكنك تذكر أسماء ودور هذه الشخصيات الثلاثة التي ظهرت لبضعة ثوانٍ فقط في الحلقة؟

تقريباً كل شركات الإنتاج الآن تحاول تحويل أعمالها الشهيرة إلى سلاسل كبيرة بمنتجات ترفيهية متنوعة، والأنيمي لا يشكّل سوى جزءٍ صغيرٍ من الأحجية الكبرى التي لا تكتمل إلا بجميع أجزائها. الهدف هنا ليس صنع أفضل أنيمي، أو صنع أنجح لعبة جوال، بل صنع أنيمي يجذب انتباهك لتجربة اللعبة، أو لعبة مثيرة تدفعك لشراء أقراص الأنيمي، أو جعلك تتعلق بقصة الأنيمي حتى تدفع لحضور الفيلم المكمّل له إلخ. وصلت الصورة على ما أظن، وبهذا يمكننا الانتقال إلى سايغيمز.

سايغيمز شركة إنتاج ألعاب أُنشأت سنة 2011 بواسطة شركة خدمات إنترنت وترفيه اسمها سايبرإيجنت – CyberAgent، وأطلقت الشركة أول لعبة لها تحت اسم Rage of Bahamut، والتي قد تكون سمعت بها بسبب الأنيمي الخاص بها المسمّى Shingeki no Bahamut. منذ ذاك الحين ركزت سايغيمز على ألعاب الغاتشا، حيث أطلقت عدة ألعابٍ ناجحة من هذا التصنيف مثل Granblue، أو Princess Connect، وآخرها Uma Musume.

ما يهمنا في هذا الحديث هو استراتيجية سايغيمز والتي ورثتها من الشركة الأم سايبرإيجنت، وهي التوسع في كل المجالات الترفيهية لتكوين إمبراطورية مترابطة. سايبرإيجنت تملك خدمة بثٍ مباشرة اسمها AbemaTV، دار نشر روايات ومانجا بالتعاون مع كودانشا اسمها Cycomi، وغيرها الكثير. سايغيمز لم يكن سوى خطوةٍ واحدة ضمن هذه الرحلة الطويلة، إلا أنها شركةٌ حصلت على قدرٍ كبير من الاستقلالية وكسبت شهرةً وشعبيةً بين المعجبين بعد نجاح ألعابها. الاستثمار في الأنيميات، وهو ما سأتحدث عنه بعد قليل، يحصل عبر سايغيمز أو بالتعاون معها، على الرغم من أنها شركة ألعاب، حتى أننا رأينا اسم سايغيمز على أطقم أكبر الأندية الرياضية الأوروبية. إن بدأت تشعر أن سايغيمز وسايبرإيجنت يران الأنيمي على أنه دعاية لمنتجاتهم الأخرى، فهذا هو ما قاله ممثلوهم في مقابلاتٍ عدة بوضوح.

في 2016 أعلنت سايبرإيجنت بالتعاون مع سايغيمز عن مشروع تمويلٍ للأنيمي اسمه CA-Cygames Anime Fund مقداره 3 مليارات ين، نتج عنه الاستثمار في عدة أعمال مثل Yuri on Ice و Zombie Land Saga. هدف مشروع التمويل هذا في الأساس هو كسب حقوق النشر لتعزيز مكتبة الأعمال على منصة Abema، أو الحصول على حقوق صناعة لعبة جوال للأنيمي، ومن هذا المال بدأ تمويل مشاريع أنيمي أصلية أيضاً. في عام 2018 أعلنت سايبرإيجنت عن شركة إنتاج وتخطيط أنيمي جديدة اسمها CAAnimation تحت قيادة منتج Yuri on Ice تاناكا هيرويوكي، هدفها التركيز على أعمال الأنيمي الأصلية، بالاعتماد الكبير على مالٍ من مشروع التمويل المذكور. هذا على الرغم من أن سايغيمز سبق وأنشأ استديو خاصاً بإنتاج الأنيمي اسمه CyGames Pictures سنة 2016، وبرأيي أنه من الأفضل التفكير بكل شركةٍ وكأنها كيانٌ مستقل عندما يأتي الأمر لشركاتٍ بهذا الحجم.

كل هذه الإمبراطورية والتحرّكات والعقود والاتفاقات التي تجري بين هذه الشركات يتمثّل على شكل الأنيمي الذي تراه في النهاية. فعلياً يعتبر إنتاج الأنيمي، أعني عملية صناعة الأنيمي الفعلية كالرسم وغيره بدلاً من التخطيط والإدارة، أمراً حديثاً بالنسبة لـسايغيمز و سايبرإيجنت، فأول أنيمي أنتجه استديو CyGames Pictures كان Manaria Friends سنة 2019 وبعده بريكوني (Princess Connect).

Manaria Friends و بريكوني كانا بدايةً أكثر من جيدة من الناحية الإنتاجية\البصرية. قد يكون ذلك بسبب شهرة سايغيمز وألعابه، أو بسبب المواهب والعلاقات التي كوّنها لدى استديو إنتاج الأنيمي خاصته، أو لمجرد استثمارهم قدرٍ عالٍ من المال في هذه المشاريع، إلا أنه لا يمكن إنكار القدر العالي من الإتقان البصري الذي أظهره بريكوني خاصةً. من أكثر ما أبهرني في الأنيمي، إلى جانب المشاهد القتالية المبهرة، هو الدمج الممتاز بين الخلفيات والشخصيات، والاستعمال المميّز للمؤثرات البصرية، وهو أمرٌ متوقع من استديو ألعاب جوال في الأصل. تصاميم الشخصيات والعالم الجذابة ليست مستغربةً أيضاً كونها أخذت كما هي من لعبة الجوال. حسب ما أعرفه، استديو CyGames Pictures يحتوي على قسم رسامي تحريك وقسم رسم خلفيات فقط، وربما يعود الفضل في المؤثرات الجميلة إلى استديو Bibury الذي أسسه المخرج تينشو (مخرج Rewrite) قبل عدة سنين، حيث قام الاستديو بالإشراف على عملية التصوير وإضافة المؤثرات في بريكوني، لكن لن أستغرب إن رأينا أعمال سايغيمز القادمة على نفس المستوى، ويبدو أن الاستديو يعطي كل مشروعٍ حقّه إذ أنه لم يقم بصنع سوى عملين فقط حتى الآن، باستثناء Blade Runner لأنه حكايةٌ أخرى، على الرغم من تأسيسه قبل أكثر من 5 سنين تقريباً.

إذاً هل كان سبب مبيعات أقراص أنيمي بريكوني، أو حتى مبيعات أقراص أنيمي Uma Musume التي حققت رقماً قياسياً مؤخراً لأعلى مبيعاتٍ في أول أسبوع طرح، هو جودة الأنيمي العالية؟ هذا لعب دوراً بالتأكيد، لكنه ليس السبب الرئيسي أبداً. أنيمي بريكوني دون لعبة الجوال لا قيمة له، وسايغيمز تعلم ذلك جيداً، لهذا تقوم دوماً بمنح كل من يشتري أقراص الأنيمي جوائز خاصةً في لعبة الجوال لا يمكن الحصول عليها بطريقةٍ أخرى. هذا لوحده كافٍ لجذب اهتمام نسبةٍ لا بأس بها من معجبي لعبة جوال شهيرة يصل عددهم عشرات الملايين ودفعهم لشراء أقراص البلو راي، وأرقام المبيعات إثباتٌ لنجاح هذه الاستراتيجية. للمعلومية، حامل الرقم القياسي السابق لأعلى عدد أقراص بيعت في أول أسبوع من الطرح كان لف لايف – Love Live، ويمكن بسهولة رؤية لماذا حقق أنيمي لف لايف عدد مبيعاتٍ عالٍ كهذا، ومرةً أخرى الإجابة ليست جودة الأنيمي بحد ذاته.

هذا ينعكس أيضاً على لجنة إنتاج هذه الأعمال. إن نظرنا إلى لجنة إنتاج بريكوني سنرى فقط:

  • Cygames
  • WOWOW
  • Tokyo MX
  • BS11
  • Nippon Columbia

ثلاثة قنواتٌ تلفازية وشركة موسيقى. لا ناشر أقراص، لا ناشر عالمي، لا استديو أنيمي، لا شركة إنتاج إلخ. لجنة إنتاج Uma Musume أصغر حتى:

  • Cygames
  • Toho
  • Bandai Namco Arts
  • Kansai TV

أربع شركات من بينها شركة تلفازية وبانداي و توهو. لا حاجة لإشراك شركاتٍ كثيرة في لجنة الإنتاج عندما يمكنك القيام بالعديد من مهام الإنتاج لدى شركاتك الخاصة وعندما تكون متأكداً من نجاح مشروعك. في الواقع، لمّح المنتج تاناكا الذي ذكرته سابقاً عن أنهم ينوون إنتاج أعمالهم الأصلية بطريقة مختلفة عن لجنة الإنتاج حتى يحصلوا على حريةٍ أكبر، لكن لا أعلم ما يقصد بالضبط.

عموماً، أتمنى أن تكون هذه التدوينة قد بيّنت بعض الجوانب المهمة عن القرارات التي تتخذها شركات إنتاج الأنيمي وفسّرت بعضاً من تساؤلاتك بهذا الخصوص. صناعة الأنيمي تسير على منهجيّاتٍ تجارية واضحة إن بدأت بالتفكير في الأمر وتتبّع التطورات التي تحصل فيها، بغض النظر عن كون هذه الحقيقة سلبيةً أم لا. في نهاية اليوم، الأنيمي لوحده ما يوكل عيش.