تأثير تومونوري كوغاوا على الأنيمي

تأثير تومونوري كوغاوا على الأنيمي

بسم الله الرحمن الرحيم

لا أعدّ نفسي خبيراً بـتومونوري كوغاوا – Tomonori Kogawa أو ما شابه، وهدف هذه التدوينة ليس تحديد تأثيره على الأنيمي بالضبط، ولكن ولأن الكثيرين يجهلون من هو كوغاوا من الأساس، وحتى بعض من يعرفونه يسيؤون فهم تأثيره على عالم الأنيمي، ظننت أنني سأحاول كتابة مقدمة بسيطة بخصوص كوغاوا وعمله.

شرح تأثير كوغاوا على الأنيمي أصعب من شرح تأثير أشخاصٍ كـكانادا أو أباري مثلاً، فهو لم يأتِ تحديداً بأسلوب رسمٍ جديد أو تقنياتٍ معينة تناقلها من بعده. بالنسبة للتقنيات الظاهرة مباشرةً على الشاشة على الأقل. أعتقد أن إلقاء نظرةٍ على وضع صناعة الأنيمي عند بدء عمله على الأنيمي ضروريٌ هنا لفهم الطريقة التي غيّر فيها الصناعة، وبالأخص صناعة الأنيمي المتلفز.

بالعودة إلى 1963، السنة التي عُرِض فيها أول أنيمي متلفز أسترو بوي – Astro Boy، يمكنك الحصول على فكرةٍ جيدةٍ عن مظهر الأنيمي المتلفز للسنين العشر القادمة تقريباً. كان أسترو بوي بدائياً قدر الإمكان، مشاهد عديدة لا يتحرك فيها شيء، رسوماتٌ متحركة بالاسم فقط. هذا لا يعني أن رسامي التحريك على أسترو بوي نسو كيفية… تحريك الرسومات، لكن هذه كانت نوعية المشروع ومتطلباته. هذه كانت الفلسفة التي اتبعها المخرج والمانجاكا اوسامو تيزوكا حتى يستطيع تحقيق فكرته المجنونة في إنتاج حلقات أنيمي 20 دقيقة تعرض أسبوعياً، وهي ما سمّي لاحقاً بـ”ـالأنيميشن المحدود”. الجدول لم يسمح بجودةٍ أعلى من هذا. هذه الفلسفة ما زالت متبعةً إلى يومنا هذا في الأنيمي المتلفز (وحتى في الأفلام): إكمال المنتج يأتي أولاً، كل شيءٍ عدى ذلك ثانوي. إلا أن الأنيميشن المحدود بطبيعته لا يتعارض مع إنتاج رسومٍ متحركة جذابة وبمستوىً عالٍ، وبالتأكيد كان الفنانون لدى استديو موشي برو (المنتج لأسترو بوي) موهوبين كفايةً لذلك، انظر لفيلم Aru Machi Kado no Monogatari القصير الذي أنتجه الاستديو عام 1962، قبل أسترو بوي بسنة، بناءً على منهج الأنيميشن المحدود. على أية حال، هذا نقاشٌ طويل، والشاهد منه هو أن كثيرين يتهمون تيزوكا بتدمير صناعة أفلام الرسوم المتحركة اليابانية الواعدة بقيادة توي آنذاك، وهو نوعاً ما اتهامٌ منطقي.

كل الأنيميات التلفازية التي أتت بعد استرو بوي اتبعت النهج ذاته إلى أن أصبح هذا المعيار والنهج الطبيعي للأنيميات المتلفزة، ومن ثم للأفلام أيضاً. المشكلة هنا أنه، وفي صناعة كانت وما زالت تعتمد على التعليم بالتجربة، قد تجهل الأجيال الجديدة التي تنشأ في هذه البيئة المقيّدة كيفية الرسم أو التحريك الصحيحين، وهذا ما حصل لـكوغاوا عندما “صحّح” مشرف الرسوم الوجوه التي رسمها بإتقان إلى وجوه الأنيمي التلفازي المشوّهة. كوغاوا دخل الصناعة متقناً الرسم مسبقاً، حيث أنه حاصلٌ على شهادة جامعية في الفنون الجميلة ولم يحتج لتعلم الرسم على طريقة الأنيمي، ما سمح له برؤية نقاط الضعف والأخطاء في طريقة رسم الأنيمي المعتادة.

كوغاوا يضع أهميةً عاليةً على دراسة الرسم والتحريك، ليس بالضرورة على شكل دراسةٍ جامعية، بل بمعنى أقرب لتأمل ومراقبة العالم من حولنا والتعلم منه وإعادة التفكير دوماً في طريقة رسمك للأشياء بدلاً من تكرار أغلاطك التي تقوم بها. قد يكون ابتعد عن طريقة التفكير المتشددة هذه لاحقاً، لكنه كان ملتزماً بقوة بالدقة في الرسم أثناء شبابه لدرجة أنه أراد تشريح جسمٍ بشري ومعاينته بنفسه في العشرينات من عمره.

ما نتيجة هذا النهج إذاً؟ كيف تختلف أعمال كوغاوا عن من عاصروه؟ هذا أيضاً يصعب تحديده، لكن من صفات أسلوب رسمه المعروفة هي طريقة معاملته للفك والفم. لا تتحرك الشفتان فقط أثناء الكلام، بل الفك السفلي بأكمله، وعلى الرغم من كون هذا أمراً بديهياً، إلا أنه أمرٌ لا تراه في معظم الأنيميات الحديثة، بينما يمكنك ملاحظته في كل مشهدٍ تقريباً في أنيميات كوغاوا. إنه تفصيلٌ صغير لكن مهم في إقناع المشاهد بكون الشخصية تعيش في عالمٍ ثلاثي الأبعاد، كما أنه يبعث الحياة في الشخصيات بطريقةٍ ما. من “ماركات” كوغاوا الأخرى المشاهد التي تنظر فيها الشخصية إلى الأعلى بطريقةٍ درامية. لا بد من أنك رأيت مشهداً مثله لو تابعت أحد أنيميات تومينو بين 1980 و 1984، حيث رافقه كوغاوا فها جميعاً تقريباً. تركيزه واهتمامه بقواعد المنظور والتشريح البشري يمنح أعماله مستوىً عالياً من الواقعية يصعب على الأعمال الأخرى الوصول إليه، سواءً حديثةً كانت أم قديمة. ليس وكأن الآخرين لم يكونوا على علمٍ بأسس الرسم الصحيح، ربما كان كل رسامي الأنيمي مدركين لها، إلا أنها نادراً ما كانت تطبق في الأنيمي التلفازي، وبالتأكيد ليس بالاستمرارية والاتزان التي كانت لدى كوغاوا.

مشهد من L-Gaim من إشراف كوغاوا.

ما يخطر على بالي أولاً: كمية التعابير المختلفة المتقنة في 20 ثانية عجيبة. ثانياً: كل رسم الوجوه متقن وسليم، أكثر من أنيميات جديدة كثيرة حتى، على الرغم من أنه رسم هزلي وفي مشهد مضحك. لاحظ مثلاً رسم الفم والذقن وكيف يبدو فعلاً كفم بشر وليس كفم رسمة أنيمي.

ولو سألت عن أي أنيميات حديثة أتكلم، فأنا أتكلم عن أغلبها. الفم حركته متكررة والوجه والذقن ثابتان.

لا أعلم بالضبط إن كان جلب هذا المستوى من الواقعية إلى الأنيمي المتلفز يختزل تأثير كوغاوا كفنّان، ربما، لكنه كان السبب الرئيسي في كون أنيميات تومينو من تلك الفترة، Ideon و Xabungle و L-Gaim و Dunbine كلاسيكيات ستحافظ على جمالها مهما زاد عمرها. بدأ تركيز كوغاوا يتغير إلى النكت والأنيميشن الكوميدي بدايةً بـXabungle غالباً، حيث كان اهتمامه الكبير بتحريك الشخصيات المتقن أساساً قوياً أمكنه بناء النكات وتقديمها من خلاله، وهذا كان واضحاً في L-Gaim و Xabungle.

شيءٌ أخير أود ذكره وهو مكانة كوغاوا كمعلّم بالنسبة للرسامين الشباب من حوله، والتي تنبع من شخصيته أولاً وأخيراً. ذات مرة قام كوغاوا بتصحيح مشهد أحد رسامي التحريك، بصفته مشرف الرسوم، وعندما شاهد ذاك الرسام مشهده على التلفاز في الاستديو قال “لم يكن بالسوء الذي توقعته!” أمام الجميع. قام كوغاوا بعدها بترك مشهده دون تصحيح حتى يلقّنه درساً. فعل أمراً مشابهاً بـإيتشيرو إيتانو – Ichiro Itano في المشهد الختامي من فيلم إيديون Be Invoked، حيث ترك سفينة سولو التي رسمها إيتانو بشكلٍ رديء دون تصحيح عن عمد. هدف كوغاوا ليس تقديم عملٍ جميلٍ وحسب، بل إحداث تغييرٌ إيجابي في من حوله وفي الصناعة ككل، ولهذا كان جلّ تركيزه في سنينه الأخيرة في صناعة الأنيمي على العمل مع الرسامين الشباب في الاستديو الذي أنشأه تحت اسم Bebow. الأشخاص الذي تعلموا تحت إمرة كوغاوا والأعمال التي أنتجوها لاحقاً هي ربما أفضل تمثيلٍ للأثر الذي تركه على الصناعة.


كالعادة، روابط للاستزادة: