عن الأنيميشن

عن الأنيميشن

بسم الله الرحمن الرحيم

قضيت جزءاً طويلاً من وقتي في كتابة تدوينة جديدة عن موضوعٍ وددت الحديث عنه لفترة، لكن بعد كتابة ما يزيد على 2500 كلمة أضعت ما كتبته للأسف. لا أعرف إن كانت هذه المقدمة الأنسب لتدوينة جديدة سأتحدث فيها عن موضوعٍ مختلف، لكن هذه التدوينة ستكون مكونةً من آرائي الشخصية بدلاً من المحتوى المعتاد المبني على نقل المعلومات والحقائق، لذا لم أجد مانعاً من ذكر فقداني المؤسف لما كتبته. لا يوجد علاقة بين محتوى هذه التدوينة والكلام الذي فقدته، وسأحاول إعادة كتابة المحتوى المفقود لاحقاً على أية حال.

في السنة أو السنتين الأخيرتين قلت متابعتي للأنيمي بشكلٍ عام، غالباً لمللي منه. اهتمامي الكبير بالساكوغا والرسامين ربما كان أول ما أظهر لي كيف يمكن للأنيميشن نفسه أن يكون ذا قيمة معزولاً عن الأبعاد القصصية وغيرها للعمل. رسومات أوهيرا وقدرتها التعبيرية الهائلة، أو توقيت كانادا ومؤثراته الممتعة، كلها كانت وما زالت تجلب البهجة والمتعة لي.

لكن حتى المتعة التي تجلبها لي الساكوغا لن تدوم للأبد، ويمكنني القول أنه من النادر أن يفاجئني ويبهرني مشهد من أي أنيمي كما أبهرتني المشاهدة الأولى لأعمال بعض الرسامين ليس بالضرورة الفريدين كـكانادا وأوهيرا، بل حتى إيباتا وغيره. لا أعني أني فقدت اهتمامي بالساكوغا والأنيميشن الياباني التجاري، فمعظم ما تابعته من أعمال في السنتين الأخيرتين كان لهدف مشاهدة ما تحويه من أعمال لرسامين أو مخرجين معيّنين. ما أعنيه هو أني توجهت للبحث عن أعمال أنيميشن فريدة جديدة.

أظن أن معظم متابعي الأنيمي، بل حتى متابعو الرسوم المتحركة حول العالم، سبب متابعتهم هو مجرد كونه “أنيمي” أو ربما “أفلام ديزني”. لو أنتجت اليابان أنيمي بقصة ممتعة ورسومٍ مقبولة غير متحركة تقريباً للاقى هذا العمل غالباً بعض الرواج والنجاح، والطريف أنني لو بحثت لوجدت أمثلةً فعليةً على كلامي. يذكرني هذا بقولٍ سمعته عن كون الناس تعتقد بأن الأنيميشن غير مهمٍ في الأنيميشن.

أنا شخصياً لا أرى هذا التفضيل الشخصي سلبياً بالضرورة، لكني أظن أن أصحاب هذا التفضيل غافلون عن روائع وجماليات الأنيميشن نفسه إلى حدٍ كبير على الأقل. الأعمال ذات القصص والأفكار المميزة كـغوست إن ذا شيل – Ghost in the Shell يتركز المديح الذي تتلقاه على هذه النقطة، القصة والأفكار، وأحياناً يذكر الأنيميشن والجانب البصري كنقطة جانبية، على الرغم من كون غوست إن ذا شيل عملاً يظهر قدرات وسط الأنيميشن ويستغلها بشكلٍ رائع، ولا مثال يوضح هذا أفضل من الاقتباس الهوليوودي للفيلم صاحب المحتوى المشابه لكن بمستوىً أردى بوضوح(ولو أن اختلاف التطبيق كان له دورٌ أيضاً).

ربما التوجه العام للأنيميشن التجاري كان له الدور الأكبر في تثبيت هذه الفكرة. عند اختيار شخصٍ عشوائي لسؤاله عن الشيء الذي يميز الأنيميشن، أعتقد أن إجابته غالباً ستكون “الخيال اللا محدود” أو “العوالم الخيالية”، مشيراً إلى أميرات ديزني أو فانتازيا أعمال غيبلي. إلا أن الأفلام الواقعية قادرة على بناء عوالم مشابهة باستعمال المؤثرات الخاصة والعديد من التقنيات الحديثة أو حتى القديمة نوعاً ما(إن تجاهلنا الخلاف الدائر حول تعريف هذه الأعمال)، بينما أعمال أنيميشن واقعية إلى حدٍ كبير مثل أفلام ساتوشي كون قد تعرض تميّز وقوة هذا الوسط بخلاف محتواها، وباعترافٍ من ساتوشي كون. ما أحاول قوله ببساطة هو أن الأنيميشن ليس مجرد حاوية هدفها الوحيد نقل فكرةٍ(أو قصة) معينة، وميّزته لا تكمن في المحتوى الذي ينقله، بل بالطريقة التي ينقله بها. هذا ما يدفع العاملين في مجال الأنيميشن لرفض فكرة محاكاة التمثيل والحركة الواقعية باستعمال الأنيميشن مثلاً.

اهتمامي توجه بعد الساكوغا إلى أعمال الأنيميشن المستقلة(independent/indie) والتجريبية  بالأخص اليابانية، كأعمال كوجي نانكي – Koji Nanke ويوجي كوري – Youji Kuri وغيرهم. الفنّانون المستقلّون في اليابان موضوعٌ طويل لست مؤهلاً للحديث عنه حتى، لكن بعد مشاهدة عمل كل فنان منهم تعرفت أكثر على قدرات الأنيميشن والتنوع فيه، والطرق المختلفة والمثيرة للتعبير عن الأفكار من خلال الأنيميشن، أو حتى جمالية الأنيميشن مجرداً من أي التزامٍ قصصي أو فكري.

قد تعتقد أن كلامي مجرد نقدٌ للتوجه التجاري في أعمال الأنيميشن التجارية، أو أنه مجرد مدحٍ للأعمال التجريبية أو المستقلة بعد إعجابي بها، لكنّي لم أنفي كون أفلام غيبلي أو ديزني(الورقية)، والتي هي تجاريةٌ بلا شك، من أفضل أعمال الأنيميشن من ناحيةٍ فنّية. ما أعيبه هو النظرة الضيقة بحصر الأنيميشن على هذه الأعمال، حتى بين الأعمال التجارية. الأنيميشن(لا أقصد الرسوم المتحركة) يشمل العديد من الفنون وليس المرسومة فقط، يوجد الكولاج وأنيميشن الدمى والستوب موشن وغيرها. لا عجب أن رئيس مؤسسة الأنيميشن اليابانية(AJA) السابق، الراحل كيهاتشيرو كاواموتو – Kihachiro Kawamoto، لم يكن قط رساماً، بل صانع ومحرّك دمى مذهلاً. قبل كاواموتو رأس أوسامو تيزوكا المؤسسة كأول رئيسٍ لها، شخصٌ يمقت الأنيميشن التجاري وأعماله التجريبية قد تزيد على أعماله التجارية. أما خليفة كاواموتو فهو تاكو فوروكاوا – Taku Furukawa، أحد أبرز الرسامين التجريبيّين ومن تلامذة يوجي كوري.

من الأمثلة المشهورة ربما على الكولاج هي المتاهات في مادوكا ماجيكا – Madoka Magica، التي أشرف عليها فريق “غيكيدان إينو كوري” – Gekidan Inu Curry، المكون من شيرايشي أيومي(عضوة سابقة في غيانكس) وأناي يوسكي(عضو سابق في استديو اسمه تانتو). مشاركتهما في مادوكا ماجيكا والعديد من أعمال شافت الأخرى كانت غالباً بناءً على صداقتهما بالمخرج يوكيهيرو مياموتو – Yukihiro Miyamoto. قبل أن أخرج عن السياق أكثر، فعلى الرغم من أن كاواموتو مشهورٌ بأعمال الدمى خاصته، الرائعة بلا شك، إلا أنني أستمتع بأعماله في الكولاج بشكلٍ خاص، كـ”الرحلة”(Tabi ،1973) مثلاً. ليس لعدم تفضيلي أعمال الدمى، فأعمال ييري ترنكا – Jiří Trnka مثلاً تبهرني. أشك بوجود معجبٍ أو مهتمٍ بالأنيميشن لن تبهره تحفته “اليد”(1965، The Hand)، ليس بصرياً فقط، بل بفكرتها وطريقتها الجميلة في عرض هذه الفكرة، ما كان سبباً في حجب هذا الفيلم المُعارض بوضوح للحكم السوفييتي الشيوعي للتشيك.

من اليمين لليسار: مادوكا ماجيكا، الرحلة، كينجو غيغا

بذكر التشيك والفنانين التشيكيّين فهي من أهم البلدان على خارطة الأنيميشن العالمية. ليس التشيك فقط بل العديد من دول شرق أوروبا أيضاً. يكفي ترنكا وتأثيره على أنيميشن الدمى دليلاً على كلامي، لكن العديد من أنواع الأنيميشن الأخرى كالكولاج والستوب موشن لها مناشئ وتاريخٌ قديم في تلك المنطقة. حتى في الأنيميشن المرسوم أيضاً، فاستلهام أوسامو تيزوكا فكرة فيلمه القصير “القفز”(Jumping ،1984) لم يأتِ سوى من فيلمٍ هنغاري قصير اسمه “الحشرة الطائرة”(1980، The Fly).

رسام Jumping، جونجي كوباياشي – Junji Kobayashi، يذكرني دوماً بمعلومة طريفةٍ عن تيزوكا. كوباياشي محبٌ كبير للحشرات والحيوانات، لكن الحشرات تحديداً. إلى جانب عضويته في جمعيات متنوعة للحشرات من ضمنها المؤسسة اليابانية للحشرات، ألف كوباياشي كتاباً كاملاً عن رسم وتحريك الحيوانات على أسس موشي\تيزوكا برو. لكن إن وجد شخصٌ أكثر هوساً منه بالحشرات فهو أوسامو تيزوكا، الذي تعمد إضافة كلمة الحشرة في في اسمه الفنّي(虫، اسمه الأصلي له ذات النطق لكن يكتب بلا كانجي الحشرة). تيزوكا له نصيبه من كتب الحشرات والحياة البريّة، رسم فيها الحشرات بتصويرٍ واقعي أو حتى خيالي. كتابٌ أخير أود ذكره، الكتاب الأكثر إثارةً للإهتمام ربما، هو كتاب جونجي كوباياشي “أوسامو تيزوكا الذي لا يعرفه أحد – فوضوية موشي برو“، عنوانٌ مثيرٌ خاصة باعتبار أن كوباياشي أحد الأعضاء القدامى في موشي برو وقضى حوالي 23 سنةً رفقة تيزوكا حتى موته. انضمام كوباياشي لاستديو تيزوكا الأول، موشي برودكشن – Mushi Production، ربما كان لمشاركة تيزوكا اهتمامه الهائل بالحشرات، فكلمة “موشي” في اسم الاستديو تعني “الحشرة”(虫).

على أية حال، ما كنت أحاول قوله هو: إن كنت لا تبحث عن مجرد عملٍ ممتع تضيع وقتك عليه، جرب إعطاء عالم الأنيميشن وجرب أعمالاً مختلفةً، عالم الأنيميشن واسع ومتنوع.


بعض الأعمال التي أعجبتني بشكلٍ خاص(ليست بالضرورة مدخلاً مناسباً للمعتادين على الأعمال التقليدية):

-Aru Machikado no Monogatari(1962, Mushi Pro)

أول أعمال استديو تيزوكا موشي برو، جرب فيه عدة تقنيات ما يظهر نوايا تيزوكا التجريبية منذ البداية. بإخراج إييتشي ياماموتو – Eiichi Yamamoto، الذي كانت بدايته في استديو تجريبي آخر اسمه أوتوغي برو، وبمشاركة رسامين مشهورين مثل غيسابورو سوغي – Gisaburo Sugii، أظهر الفيلم أساليب متنوعة وجميلة. حتى الأنيميشن المحدود كان له ظهور، على الرغم من أنه لا حاجة اقتصادية له هنا، ما يدفعني للقول أنه تجربةً للتقنية وأبعادها الفنية قبل استعمالها بشكلٍ كامل في أسترو بوي لاحقاً. بشكلٍ عام فيلمٌ جميل حتى لو لم تكن مهتماً كثيراً بالجوانب الفنية، ومن أفضل أعمال موشي برو.

-Jumping(1984, Tezuka Pro)

توجد مقابلةٌ ممتعة مع تيزوكا عن الفيلم هذا والأعمال التجريبية بشكلٍ عام، يمكنكم مشاهدتها هنا.

-Machikado no Märchen(1984)

-The Hand(1965, Jiří Trnka)

-Tabi(1973, Kihachiro Kawamoto)

-Kenju Giga(1970, Kihachiro Kawamoto)

-The Fly(1980, Ferenc Rofusz)